للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِنُذُورٍ مُسَمَّاةٍ مَشْيًا إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ بِكَذَا وَكَذَا نَذْرًا لِشَيْءٍ لَا يَقْوَى عَلَيْهِ وَلَوْ تَكَلَّفَ ذَلِكَ كُلَّ عَامٍ لَعُرِفَ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ عُمْرُهُ مَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ هَلْ يُجْزِيهِ مِنْ ذَلِكَ نَذْرٌ وَاحِدٌ أَوْ نُذُورٌ مُسَمَّاةٌ فَقَالَ مَالِكٌ مَا أَعْلَمُهُ يُجْزِيهِ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْوَفَاءُ بِمَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَيْسَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ وَلْيَتَقَرَّبْ إلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ الْخَيْرِ) .

الْعَمَلُ فِي الْمَشْيِ إلَى الْكَعْبَةِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْمَرْأَةِ تَحْلِفُ فَيَحْنَثُ أَوْ تَحْنَثُ أَنَّهُ إنْ مَشَى الْحَانِثُ مِنْهُمَا فِي عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِذَا سَعَى فَقَدْ فَرَغَ وَأَنَّهُ إنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ مَشْيًا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ مَكَّةَ ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا وَلَا يَزَالُ مَاشِيًا حَتَّى يُفِيضَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَكُونُ مَشْيٌ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) .

ــ

[المنتقى]

وَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ لَمْ يَلْزَمْهُ هُوَ شَيْءٌ فِي إحْجَاجِ الرَّجُلِ وَيَلْزَمُهُ هُوَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةُ قَالَهُ مَالِكٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا أَحْمِلُ فُلَانًا يَقْتَضِي مُضِيَّهُمَا فَقَدْ لَزِمَهُ مُضِيُّهُ لِنَذْرِهِ وَمُضِيُّ الرَّجُلِ مَوْقُوفٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ وَمَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحُجَّ مَعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يُرِيدُ بِسَبَبِ الرَّجُلِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الْحَجَّ يَسْقُطُ عَنْهُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ مِنْ النُّذُورِ فِي الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ مَا لَا يَسْتَطِيعُ عُمْرُهُ لِأَدَائِهِ مِثْلُ أَنْ يَنْذِرَ أَلْفَ حَجَّةٍ أَوْ يَحْلِفَ بِهَا فَحَنِثَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْهُ شَيْءٌ إلَّا الْوَفَاءَ بِهِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَاتَّسَعَ عُمْرُهُ لَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِجَرْيِ الْعَادَةِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْهُ بِمَا اتَّسَعَ عُمْرُهُ لَهُ وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ الْتِزَامِهِ مَا لَا يَسْتَطِيعُ عَلَيْهِ وَيَتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي امْرَأَةٍ حَلَفَتْ أَنْ لَا تُكَلِّمَ أَبَاهَا بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ سَبْعَ مَرَّاتٍ قَالَ تُكَلِّمُهُ وَتَمْشِي سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِنْ لَمْ تَطُفْ حَجَّتْ أَوْ اعْتَمَرَتْ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَتُهْدِي فِي كُلِّ مَرَّةٍ.

[الْعَمَلُ فِي الْمَشْيِ إلَى الْكَعْبَةِ]

(ش) : قَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَيَحْنَثُ أَوْ تَحْنَثُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا يَمِينٌ تَلْزَمُ وَيَحْنَثُ فِيهَا بِالْمُخَالَفَةِ فَيَجِبُ بِالْحِنْثِ فِيهَا مَا الْتَزَمَهُ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ مِنْهُمَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَمَا يَعْزِي إلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ أَفْتَى بِالنَّذْرِ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ لَا يَصِحُّ وَقَدْ بَيَّنْتُهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَلْزَمُ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ بِالنَّذْرِ وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْشِيَ إلَى مَكَّةَ وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ بِهَا وَحَنِثَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يَلْزَمُ بِهِ الْعِتْقُ فَلَزِمَ بِهِ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ أَصْلُ ذَلِكَ النَّذْرُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْمَرْأَةِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَهُمَا فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ يَلْزَمُهَا ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُ الرَّجُلُ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْمَشْيُ عَنْ مَنْ يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْهُمَا لِعَجْزِهِ عَنْهُ فَيَسْقُطُ إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْهَدْيُ مَعَ مَا يُطَاقُ مِنْ الْمَشْيِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ وَالْمَشْيُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سَوَاءٌ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ نَذْرٌ يَصِحُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِيهِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.

(فَصْلٌ) :

وَإِنْ مَشَى الْحَانِثُ مِنْهُمَا فِي عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ لَزِمَهُ الْمَشْيُ مِنْهُمَا سَوَاءٌ كَانَ مَشْيُهُ مُقَيَّدًا بِعُمْرَةٍ أَوْ مُطْلَقًا فَجَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ فَإِنَّ كَمَالَ مَشْيِهِ بِانْقِضَاءِ السَّعْيِ لِأَنَّهُ آخِرُ عَمَلِ الْعُمْرَةِ وَإِنْ كَانَ مَشْيُهُ فِي حَجٍّ إمَّا لِأَنَّهُ قَيَّدَ نَذْرَهُ بِهِ أَوْ كَانَ مُطْلَقًا فَجَعَلَهُ فِي حَجٍّ فَإِنْ أَخَّرَ مَشْيَهُ إلَى انْقِضَاءِ الْمَنَاسِكِ لِأَنَّ ذَلِكَ آخِرُ عَمَلِ الْحَجِّ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ وُصُولُهُ إلَى مَكَّةَ مَاشِيًا الْمَشْيَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>