فصل قَوْله تَعَالَى {الَّذين يجادلون فِي آيَات الله بِغَيْر سُلْطَان أَتَاهُم كبر مقتا عِنْد الله وَعند الَّذين آمنُوا كَذَلِك يطبع الله على كل قلب متكبر جَبَّار}[سُورَة غَافِر ٣٥] بعد قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ الَّذِي آمن يَا قوم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم مثل يَوْم الْأَحْزَاب}[سُورَة غَافِر ٣٠] إِلَى قَوْله {وَلَقَد جَاءَكُم يُوسُف من قبل بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زلتم فِي شكّ مِمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذا هلك قُلْتُمْ لن يبْعَث الله من بعده رَسُولا}[سُورَة غاقر ٣٤] الْآيَة يخوفهم بِمثل عقوبات الله فِي الدُّنْيَا للأمم الْكَافِرَة قبلهم وخوفهم بِمَا يكون يَوْم الْقِيَامَة
وَهَذَا فِيهِ بَيَان إخْبَاره بِيَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ مِمَّن آمن بمُوسَى كَمَا قد قَرَّرْنَاهُ فِي غير هَذَا الْموضع أَن جَمِيع الرُّسُل أخْبرت بِيَوْم الْقِيَامَة خلاف مَا تزْعم طوائف من الفلاسفة وَأهل الْكَلَام أَن الْمعَاد الجسماني لم يخبر بِهِ إِلَّا مُحَمَّد وَعِيسَى وَنَحْو ذَلِك
ثمَّ قَالَ الْمُؤمن {وَلَقَد جَاءَكُم يُوسُف من قبل بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زلتم فِي شكّ مِمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذا هلك قُلْتُمْ لن يبْعَث الله من بعده رَسُولا كَذَلِك يضل الله من هُوَ مُسْرِف مرتاب}[سُورَة غَافِر ٣٤] لِأَن الريب عدم الْعلم وَهَذِه حَال أهل الضلال
وَقَالَ هُنَاكَ {كَذَلِك يطبع الله على كل قلب متكبر جَبَّار}[سُورَة غَافِر ٣٥] لِأَنَّهُ أخبر بجدالهم فِي آيَات الله بِغَيْر سُلْطَان أَتَاهُم وَهَذِه حَال الْمُتَكَلِّمين بِغَيْر علم لطلب الْعُلُوّ وَالْفساد