للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمكارم وَلأَجل فَوت الْقُدْرَة الْحَاصِلَة بِسَبَب اخراجه وَالْحَاجة المنافية لكَمَال الْغنى يحب ابقاء مَاله وَيكرهُ السخاء وَالْكَرم والجود فَيبقى قلبه وَاقِفًا بَين هذَيْن الداعيين يتجاذبانه ويعتور ان عَلَيْهِ فَيبقى الْقلب فِي مقَام الْمُعَارضَة بَينهمَا فَمن النَّاس من يتَرَجَّح عِنْده جَانب الْبَذْل والجود وَالْكَرم فَيُؤْثِرُهُ على الْجَانِب الاخر وَمِنْهُم من يتَرَجَّح عِنْده جَانب الامساك وَبَقَاء الْقُدْرَة والغني فَيُؤْثِرُهُ فهذان نظران للعقلاء وَمِنْهُم من يبلغ بِهِ الْجَهْل والحماقة الى حَيْثُ يُرِيد الْجمع بَين الْوَجْهَيْنِ فيعد النَّاس بالجود والسخاء والمكارم طَمَعا مِنْهُ فِي فوزه بالمدح وَالثنَاء على ذَلِك وَعند حُضُور الْوَقْت لَا يَفِي بِمَا قَالَ فَيسْتَحق الذَّم ويبذل بِلِسَانِهِ ويمسك بِقَلْبِه وَيَده فَيَقَع فِي أَنْوَاع القبائح والفضائح وَإِذا تَأَمَّلت احوال اهل الدُّنْيَا من الاغنياء رَأَيْتهمْ تَحت اسر هَذِه البلية وهم غَالِبا يَبْكُونَ ويشكون وَأما غنى الْعلم فَلَا يعرض لَهُ شَيْء من ذَلِك بل كلما بذله ازْدَادَ ببذلة فَرحا سُرُورًا وابتهاجا وَإِن فَاتَتْهُ لَذَّة اهل الْغنى وتمتعهم باموالهم فهم ايضا قد فَاتَتْهُمْ لَذَّة اهل الْعلم وتمتعهم بعلومهم وابتهاجهم بهَا فَمَعَ صَاحب الْعلم من اسباب اللَّذَّة مَا هُوَ اعظم واقوى وادوم من لَذَّة الْغنى وتعبه فِي تَحْصِيله وَجمعه وَضَبطه اقل من تَعب جَامع المَال فَجَمعه والمه دون المه كَمَا قَالَ تَعَالَى للْمُؤْمِنين تَسْلِيَة لَهُم بِمَا ينالهم من الالم والتعب فِي طَاعَته ومرضاته وَلَا تهنوا فِي ابْتِغَاء الْقَوْم ان تَكُونُوا تألمون فانهم يألمون كَمَا تألمون وترجون من الله مَالا يرجون وَكَانَ الله عليما حكيما الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ ان اللَّذَّة الْحَاصِلَة من المَال والغنى إِنَّمَا هِيَ حَال تجدده فَقَط واما حَال دَوَامه فإمَّا ان تذْهب تِلْكَ اللَّذَّة وَإِمَّا ان تنقص وَيدل عَلَيْهِ ان الطَّبْع يبْقى طَالبا لغنى آخر حَرِيصًا عَلَيْهِ فَهُوَ يحاول تَحْصِيل الزِّيَادَة دَائِما فَهُوَ فِي فقر مُسْتَمر غير منقض وَلَو ملك خَزَائِن الارض ففقره وَطَلَبه وحرصه بَاقٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ اُحْدُ المنهومين اللَّذين لَا يشبعان فَهُوَ لَا يُفَارِقهُ الم الْحِرْص والطلب وَهَذَا بِخِلَاف غنى الْعلم وَالْإِيمَان فان لذته فِي حَال بَقَائِهِ مثلهَا فِي حَال تجدده بل ازيد وصاحبها وان كَانَ لَا يزَال طَالبا للمزيد حَرِيصًا عَلَيْهِ فَطَلَبه وحرصه مستصحب للذة الْحَاصِل وَلَذَّة المرجو الْمَطْلُوب وَلَذَّة الطّلب وابتهاجه فرجه بِهِ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ ان غَنِي المَال يَسْتَدْعِي الانعام على النَّاس والاحسان اليهم فصاحبه اما ان يسد على نَفسه هَذَا الْبَاب واما ان يَفْتَحهُ عَلَيْهِ فان سَده على نَفسه اشْتهر عِنْد النَّاس بالبعد من الْخَيْر والنفع فَأَبْغضُوهُ وذموه واحتقروه وكل من كَانَ بغيضا عِنْد النَّاس حَقِيرًا لديهم كَانَ وُصُول الافات والمضرات اليه اسرع من النَّار فِي الْحَطب الْيَابِس وَمن السَّيْل فِي منحدره وَإِذا عرف من الْخلق انهم يمقتونه ويبغضونه وَلَا يُقِيمُونَ لَهُ وزنا تألم قلبه غَايَة التألم واحضر الهموم والغموم والاحزان وان فتح بَاب الاحسان وَالعطَاء فَإِنَّهُ لايمكنه ايصال الْخَيْر والاحسان الى كل اُحْدُ فَلَا بُد من إيصاله الى الْبَعْض وإمساكه عَن الْبَعْض وَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>