للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفتح عَلَيْهِ بَاب الْعَدَاوَة والمذمة من المحروم والمرحوم اما المحروم فَيَقُول كَيفَ جاد على غَيْرِي وبخل عَليّ واما المرحوم فَإِنَّهُ يلتذ ويفرح بِمَا حصل لَهُ من الْخَيْر والنفع فَيبقى طامعا مستشرفا لنظيره على الدَّوَام وَهَذَا قد يتَعَذَّر غَالِبا فيفضى ذَلِك الى الْعَدَاوَة الشَّدِيدَة والمذمة وَلِهَذَا قيل اتَّقِ شَرّ من احسنت اليه وَهَذِه الافات لَا تعرض فِي غنى الْعلم فَإِن صَاحبه يُمكنهُ بذله للْعَالم كلهم واشتراكهم فِيهِ وَالْقدر المبذول مِنْهُ بَاقٍ لاخذه لَا يَزُول بل يتجربه فَهُوَ كالغني إِذا اعطى الْفَقِير رَأس مَال يتجربه حَتَّى يصير غَنِيا مثله الْوَجْه الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ ان جمع المَال مقرون بِثَلَاثَة انواع من الافات والمحن نوع قبله وَنَوع عِنْد حُصُوله وَنَوع بعدمفارقته فَأَما النَّوْع الاول فَهُوَ المشاق والانكاد والالام الَّتِي لَا يحصل الا بهَا واما النَّوْع الثَّانِي فمشقة حفظه وحرساته حراسته وَتعلق الْقلب بِهِ فَلَا يصبح الا مهموما وَلَا يُمْسِي الا مغموما فَهُوَ بِمَنْزِلَة عاشق مفرط الْمحبَّة قد ظفر بمعشوقته والعيون من كل جَانب ترمقه والالسن والقلوب ترشقه فَأَي عَيْش وَلَذَّة لمن هَذِه حَاله وَقد علم ان اعداءه وحساده لَا يفترون عَن سَعْيهمْ فِي التَّفْرِيق بَينه وَبَين معشوقه وَإِن لم يظفروا هم بِهِ دونه وَلَكِن مقصودهم ان يزيلوا اخْتِصَاصه بِهِ دونهم فَإِن فازوا بِهِ والا اسْتَووا فِي الحرمان فَزَالَ الِاخْتِصَاص المؤلم للنفوس وَلَو قدرُوا على مثل ذَلِك مَعَ الْعَالم لفعلوه وَلَكنهُمْ لما علمُوا انه لَا سَبِيل الى سلب علمه عَمدُوا الى جَحده وانكاره ليزيلوا من الْقُلُوب محبته وتقديمه وَالثنَاء عَلَيْهِ فَإِن بهر علمه وَامْتنع عَن مُكَابَرَة الْجُحُود والانكار رَمَوْهُ بالعظائم ونسبوه الى كل قَبِيح ليزيلوا من الْقُلُوب محبته ويسكنوا موضعهَا النفرة عَنهُ وبغضه وَهَذَا شغل السَّحَرَة بِعَيْنِه فَهَؤُلَاءِ سحرة بالسنتهم فَإِن عجزوا لَهُ عَن شَيْء من القبائح الظَّاهِرَة رَمَوْهُ بالتلبيس والتدليس والدوكرة والرياء وَحب الترفع وَطلب الجاه وَهَذَا الْقدر من معاداة اهل الْجَهْل وَالظُّلم للْعُلَمَاء مثل الْحر وَالْبرد لَا بُد مِنْهُ فَلَا يَنْبَغِي لمن لَهُ مسكة عقل ان يتَأَذَّى بِهِ إِذْ لَا سَبِيل لَهُ الى دَفعه بِحَال فليوطن نَفسه عَلَيْهِ كَمَا يوطنها على برد الشتَاء وحر الصَّيف وَالنَّوْع الثَّالِث من آفَات الْغنى مَا يحصل للْعَبد بعد مُفَارقَته من تعلق قلبه بِهِ وَكَونه قد حيل بَينه وَبَينه والمطالبة بحقوقه والمحاسبة على مقبوضه ومصروفه من ايْنَ اكْتَسبهُ وَفِيمَا ذَا انفقه وغنى الْعلم والايمان مَعَ سَلَامَته من هَذِه الافات فَهُوَ كَفِيل بِكُل لَذَّة وفرحة وسرور وَلَكِن لَا ينَال الا على جسر من التَّعَب وَالصَّبْر وَالْمَشَقَّة الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ ان لَذَّة الْغَنِيّ بِالْمَالِ مقرونة بخلطة النَّاس وَلَو لم يكن الا خدمه وازواجه وسراريه واتابعه إِذْ لَو انْفَرد الْغَنِيّ بِمَالِه وَحده من غير ان يتَعَلَّق بخادم اَوْ زوجه اَوْ اُحْدُ من النَّاس لم يكمل انتفاعه بِمَالِه وَلَا التذاذه بِهِ وَإِذا كَانَ كَمَال لذته بغناه مَوْقُوفا على اتِّصَاله بِالْغَيْر فَذَلِك منشأ الافات والالام وَلَو لم يكن الا اخْتِلَاف النَّاس وطبائعهم وارادتهم فقبيح هَذَا حسن ذَاك ومصلحة ذَاك مفْسدَة

<<  <  ج: ص:  >  >>