للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا وَمَنْفَعَة هَذَا مضرَّة ذَاك وَبِالْعَكْسِ فَهُوَ مبتلى بهم فَلَا بُد من وُقُوع النفرة والتباغض والتعادي بَينهم وَبَينه فان ارضاءهم كلهم محَال وَهُوَ جمع بَين الضدين وارضاء بَعضهم واسخاط غَيره سَبَب الشَّرّ والمعاداة وَكلما طَالَتْ المخالطة ازدادت اسباب الشَّرّ والعداوة وقويت وَبِهَذَا السَّبَب كَانَ الشَّرّ الْحَاصِل من الاقارب والعشراء اضعاف الشَّرّ الْحَاصِل من الاجانب والبعداء وَهَذِه المخالطة انما حصلت من جَانب الْغَنِيّ بِالْمَالِ اما إِذا لم يكن فِيهِ فَضِيلَة لَهُم فانهم يتجنبون مخالطته ومعاشرته فيستريح من اذى الْخلطَة وَالْعشرَة وَهَذِه الافات مَعْدُودَة فِي الْغنى بِالْعلمِ الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ ان المَال لَا يُرَاد لذاته وعينه فَإِنَّهُ لَا يحصل بِذَاتِهِ شَيْء من الْمَنَافِع اصلا فَإِنَّهُ لَا يشْبع وَلَا يرْوى وَلَا يدفء وَلَا يمتع وَإِنَّمَا يُرَاد لهَذِهِ الاشياء فَإِنَّهُ لما كَانَ طَرِيقا اليها اريد ارادة الْوَسَائِل وَمَعْلُوم ان الغايات اشرف من الْوَسَائِل فَهَذِهِ الغايات اذا اشرف مِنْهُ وَهِي مَعَ شرفها بِالنِّسْبَةِ اليه نَاقِصَة دنيئة وَقد ذهب كثير من الْعُقَلَاء الى انها لَا حَقِيقَة لَهَا وانما هِيَ دمع الالم فَقَط فَإِن لبس الثِّيَاب مثلا إِنَّمَا فَائِدَته دفع التألم بِالْحرِّ وَالْبرد وَالرِّيح وَلَيْسَ فِيهَا لَذَّة زَائِدَة على ذَلِك وَكَذَلِكَ الاكل إِنَّمَا فَائِدَته دفع الم الْجُوع وَلِهَذَا لَو لم يجد الم الْجُوع لم يستطب الاكل وَكَذَلِكَ الشّرْب مَعَ الْعَطش والراحة مَعَ التَّعَب وَمَعْلُوم ان فِي مزاولة ذَلِك وتحصيله الما وضررا وَلَكِن ضَرَره وألمه اقل من ضَرَر مَا يدْفع بِهِ وألمه فَيحْتَمل الانسان اخف الضررين دفعا لاعظمهما وَحكى عَن بعض الْعُقَلَاء انه قيل لَهُ وَقد تنَاول قدحا كريها من الدَّوَاء كَيفَ حالك مَعَه قَالَ اصبحت فِي دَار بليات ادافع آفَات بآفات وَفِي الْحَقِيقَة فلذات الدُّنْيَا من المآكل والمشارب واللبس والمسكن والمنكح من هَذَا الْجِنْس واللذة الَّتِي يُبَاشِرهَا الْحس ويتحرك لَهَا الْجَسَد وَهِي الْغَايَة الْمَطْلُوبَة لَهُ من لَذَّة المنكح والمأكل شهوتي الْبَطن والفرج لَيْسَ لَهما ثَالِث الْبَتَّةَ الا مَا كَانَ وَسِيلَة اليهما وطريقا الى تحصيلهما وَهَذِه اللَّذَّة منغصة من وُجُوه عديدة مِنْهَا ان تصور زَوَالهَا وانقضائها وفنائها يُوجب تنغصها وَمِنْهَا انها ممزوجة بالافات ومعجونة بالالام محتاطة بالمخاوف وَفِي الْغَالِب لاتفي الامها بطيبها كَمَا قيل:

قايست بَين جمَالهَا وفعالها ... فَإِذا الملاحة بالقباحة لاتفي

وَمِنْهَا ان الاراذل من النَّاس وَسَقَطهمْ يشاركون فِيهَا كبراءهم وعقلاءهم بل يزِيدُونَ عَلَيْهِم فِيهَا اعظم زِيَادَة وافحشها فنسبتهم فِيهَا الى الافاضل كنسبة الْحَيَوَانَات الْبَهِيمَة اليهم فمشاركة الاراذل وَأهل الخسة والدناءة فِيهَا زيادتهم على الْعُقَلَاء فِيهَا مِمَّا يُوجب النفرة والاعراض عَنْهَا وَكثير من النَّاس حصل لَهُ الزّهْد فِي المحبوب والمعشوق مِنْهَا بِهَذِهِ الطَّرِيق هَذَا كثير فِي أشعار النَّاس ونثرهم كَمَا قيل

<<  <  ج: ص:  >  >>