للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّذَّة لَيست من جنس الْخيرَات والسعادات والكمال الَّذِي خلق لَهُ العَبْد وَلَا كَمَال لَهُ بِدُونِهِ بل ثمَّ امروراء ذَلِك كُله قد هيء لَهُ العَبْد وَهُوَ لَا يفعلن لَهُ لِغَفْلَتِه عَنهُ وإعراضه عَن التفتيش على طَرِيقه حَتَّى يصل اليه يسوم نَفسه مَعَ الانعام السَّائِمَة:

قد هيؤك لأمر لَو فطنت لَهُ ... فاربأ نَفسك ان ترعى مَعَ الهمل

وموقع هَذِه اللَّذَّات من النَّفس كموقع لَذَّة البرَاز من رجل احْتبسَ فِي مَوضِع لَا يُمكنهُ الْقيام الى الْخَلَاء وصارمضطرا اليه فَإِنَّهُ يجد مشقة شَدِيدَة وبلاء عَظِيما فَإِذا تمكن منالذهاب الى الْخَلَاء وَقدر على دفع ذَلِك الْخَبيث المؤذي وجد لَذَّة عَظِيمَة عِنْد دَفعه وإرساله وَلَا لَذَّة هُنَاكَ الا رَاحَته من حمل مَا يُؤْذِيه حمله فَعلم ان هَذِه اللَّذَّات إِمَّا ان تكون دفع آلام وَإِمَّا ان تكون لذات ضَعِيفَة خسيسة مقترنة بآفات ترى مضرتها عَلَيْهِ وَهَذَا كَمَا يعقب لَذَّة الوقاع من ضعف الْقلب وخفقان الْفُؤَاد وَضعف القوى الْبَدَنِيَّة والقلبية وَضعف الارواح واستيلاء العفونة على كل الْبدن واسرع الضعْف والخور اليه واستيلاء الاخلاط عَلَيْهِ لضعف الْقُوَّة عَن دَفعهَا وقهرها وَمِمَّا يدل على ان هَذِه اللَّذَّات لَيست خيرات وسعادات وكمالا ان الْعُقَلَاء من جَمِيع الامم مطبقون على ذمّ من كَانَت هِيَ نهمته وشغله ومصرف همته وإرادته والإزراء بِهِ وتحقير شَأْنه والحاقه بالبهائم ولايقيمون لَهُ وزنا وَلَو كَانَت خيرات وكمالا لَكَانَ من صرف اليها همته اكمل النَّاس وَمِمَّا يدل على ذَلِك ان الْقلب الَّذِي قد وَجه قَصده وإرادته الى هَذِه اللَّذَّات لَا يزَال مُسْتَغْرقا فِي الهموم والغموم والاحزان وَمَا يَنَالهُ من اللَّذَّات فِي جنب هَذِه الالام كقطرة فِي مجركما قيل سروره وزن حَبَّة وحزنه قِنْطَار فَإِن الْقلب يجرى مجْرى مرْآة مَنْصُوبَة على جِدَار وَذَلِكَ الْجِدَار ممر لانواع المشتهيات والملذوذات والمكروهات وَكلما مر بِهِ شَيْء من ذَلِك ظهر فِيهِ أَثَره فَإِن كَانَ محبوبا مشتهيا مَال طبعه اليه فَإِن لم يقدر على تَحْصِيله تألم وتعذب بفقده وَإِن قدر على تَحْصِيله تالم فِي طَرِيق الْحُصُول بالتعب وَالْمَشَقَّة ومنازعة الْغَيْر لَهُ ويتألم حَال حُصُوله خوفًا من فِرَاقه وَبعد فِرَاقه خوفًا على ذَهَابه وَإِن كَانَ مَكْرُوها لَهُ وَلم يقدر على دَفعه تألم بِوُجُودِهِ وَإِن قدر على دَفعه اشْتغل بِدَفْعِهِ ففاتته مصلحَة راجحة الْحُصُول فيتالم لفواتها فَعلم ان هَذَا الْقلب ابدا مُسْتَغْرق فِي بحار الهموم والغموم والاحزان وَإِن نَفسه تضحك عَلَيْهِ وترضيه بِوَزْن ذرة من لذته فيغيب بهَا عَن شُهُوده القناطير من المه وعذابه فَإِذا حيل بَينه وَبَين تِلْكَ اللَّذَّة وَلم يبْق لَهُ اليها سَبِيل تجرد ذَلِك الالم واحاط بِهِ وَاسْتولى عَلَيْهِ من كل جهاته فَقل مَا شِئْت فِي حَال عبد قد غيب عَنهُ سعده وحظوظه وافراحه واحضر شقوته وهمومه وغمومه واحزانه وَبَين العَبْد وَبَين هَذِه الْحَال ان ينْكَشف الغطاء وَيرْفَع السّتْر وينجلى الْغُبَار وَيحصل

<<  <  ج: ص:  >  >>