للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد أصَاب زَاده الله هدى وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَقل رب زِدْنِي علما} وَمن جملَة أَسبَاب تسليط الفرنج على بعض بِلَاد الْمغرب والتتر على بِلَاد الْمشرق كَثْرَة التعصب والتفرق والفتن بَينهم فِي الْمذَاهب وَغَيرهَا وكل ذَلِك من اتِّبَاع الظَّن وَمَا تهوى الْأَنْفس وَلَقَد جَاءَهُم من رَبهم الْهدى وَنقل عَن الْمُضْمرَات أَن الْخَبَر فِي كَونه حجَّة فَوق الِاجْتِهَاد فَإِن خَالَفت الرِّوَايَة الحَدِيث الصَّحِيح تركت وصاحبها فَالْعَمَل بِالْحَدِيثِ أولى من الرِّوَايَة وَنقل عَن الْكِفَايَة أَن الْعَمَل بِنَصّ صَرِيح أولى من الْعَمَل بِالْقِيَاسِ

قَالَ بعض أهل التَّحْقِيق بل الْوَاجِب على من لَهُ أدنى دراية بِالْكتاب وَتَفْسِيره والْحَدِيث وفنونه أَن يتتبع كل التتبع ويميز الصَّحِيح عَن الضَّعِيف وَالْقَوِي عَن غَيره فَيتبع وَيعْمل بِمَا ثَبت صِحَّته وَكَثُرت رِوَايَته وَإِن كَانَ الَّذِي قَلّدهُ على خِلَافه وَلَا يخفى أَن الِانْتِقَال من مَذْهَب إِلَى مَذْهَب مَا كَانَ ملوما فِي الصَّدْر الأول وَقد انْتقل كبار الْعلمَاء من مَذْهَب إِلَى مَذْهَب وَهَكَذَا كَانَ من كَانَ من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة ينتقلون من قَول إِلَى قَول وَالْحَاصِل أَن الْعَمَل بِالْحَدِيثِ بِحَسب مَا بدا لصَاحب الْفَهم الْمُسْتَقيم من الْمصلحَة الدِّينِيَّة هُوَ الْمَذْهَب عِنْد الْكل وَهَذَا الإِمَام الْهمام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله كَانَ يُفْتِي وَيَقُول هَذَا مَا قَدرنَا عَلَيْهِ فِي الْعلم فَمن وجد أوضح مِنْهُ فَهُوَ أولى بِالصَّوَابِ كَذَا فِي تَنْبِيه المغترين

وَعنهُ أَنه قَالَ لَا يحل لأحد أَن يَأْخُذ بقولنَا مالم يعرف مأخذه من الْكتاب وَالسّنة أَو إِجْمَاع الْأمة أَو الْقيَاس الْجَلِيّ فِي الْمَسْأَلَة وَقَالَ ملا عَليّ الْقَارِي فِي رسَالَته وَأما مَا اشْتهر بَين الْحَنَفِيَّة من أَن الْحَنَفِيّ إِذا انْتقل إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي يُعَزّر وَإِذا كَانَ بِالْعَكْسِ يخلع فَهُوَ قَول مُبْتَدع ومخترع نعم لَو انْتقل طاعنا فِي مَذْهَب الأول سَوَاء كَانَ حنفيا أَو شافعيا يُعَزّر وَكَذَا مَا قيل لَو انْتقل حَنَفِيّ إِلَى شَافِعِيّ لم تقبل شَهَادَته وَإِن كَانَ عَالما كَمَا فِي آخر الْجَوَاهِر وَهَذَا كَمَا ترى لَا يجوز لمُسلم أَن يتفوه بِمثلِهِ فَإِن الْمُجْتَهدين من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة كلهم أهل الْهِدَايَة وَلَا يجب على أحد من هَذِه الْأمة أَن يكون حَنِيفا أَو شافعيا أَو مالكيا بل يجب على آحَاد النَّاس إِذا لم يكن مُجْتَهدا أَن يُقَلّد وَاحِدًا من هَؤُلَاءِ الْأَعْلَام لقَوْله تَعَالَى {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} وَلقَوْل بعض مَشَايِخنَا من تبع عَالما لَقِي الله سالما انْتهى وَفِي شرح عين الْعلم يسْتَحبّ الْأَخْذ بالأحوط إِذا رأى لِلْقَوْلِ الْمُخَالف لمَذْهَب إِمَامه دَلِيلا راجحا إِذْ الْمُكَلف مَأْمُور بِاتِّبَاع سيد الْأَنْبِيَاء

<<  <   >  >>