التَّوْجِيه أَن الْعَمَل على الْفِقْه لَا على الْكتاب فَإِن الْعَاميّ لَا يفهم شَيْئا من الْكتاب وَلَا يُمَيّز بَين محكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه ومفسره ومجمله وعامه وخاصه وَغير ذَلِك من أقسامه فصح أَن يُقَال إِن الْعَمَل على الْفِقْه لَا على الْكتاب والْحَدِيث وفساده أظهر من أَن يظْهر وشناعته أجلى من أَن تستر بل لَا يَلِيق بِحَال الْمُسلم الْمُمَيز أَن يصدر عَنهُ أَمْثَال هَذِه الْكَلِمَات على مَالا يخفى على ذَوي الفطانة والدراية وَإِذا تحققت مَا تلونا عَلَيْك عرفت أَنه لَو لم يكن نَص من الإِمَام على المرام لَكَانَ من المتبعين على أَتْبَاعه من الْعلمَاء الْكِرَام فضلا عَن الْعَوام أَن يعملوا بِمَا صَحَّ عَن سيد الْأَنَام عَلَيْهِ وعَلى آله أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمن أنصف وَلم يتعسف عرف أَن هَذَا سَبِيل أهل التدين من السّلف وَالْخلف وَمن عدل عَن ذَلِك فَهُوَ هَالك لوصف الْجَاهِل المعاند المكابر وَلَو كَانَ عِنْد النَّاس من الأكابر وأنشدوا فِي هَذَا الْمَعْنى شعرًا ... أهل الحَدِيث همو أهل النَّبِي وَإِن ... لم يصحبوا نَفسه أنفاسه صحبوا ...
أماتنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على محبَّة الْمُحدثين واتباعهم من الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين وحشرنا مَعَ الْعلمَاء العاملين تَحت لِوَاء سيد الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين انْتهى مَا قَالَ الْمُحَقق مُلَخصا
قلت قَوْله لَو لم يكن نَص من الإِمَام على المرام الخ المُرَاد بالمرام هَهُنَا الْعَمَل بِمَا صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ كَون مَذْهَب الإِمَام مُخَالفا لَهُ وَحَاصِل كَلَامه أَنه لَو لم يُوجد نَص من الإِمَام الْمُجْتَهد على وجوب الْعَمَل بِمَا صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لوَجَبَ على المتبعين لَهُ من الْعلمَاء والعوام الْعَمَل بِمَا صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكيف مَعَ وجود النَّص مِنْهُ على ذَلِك والحض عَلَيْهِ وَالْوَصِيَّة بِهِ فَالْعَمَل بِهِ وَاجِب على اتِّبَاع الْأمة بِمُوجب مَا ثَبت عَنْهُم من الحض عَلَيْهِ وَالْوَصِيَّة بِهِ فَمن لم يعْمل بِمَا ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد خَالف إِمَامه وَكذب فِي دَعْوَى تَقْلِيده أُمُوره ومرامه
وَقَالَ ملا عَليّ الْقَارِي فِي رسَالَته فِي إِشَارَة المسبحة وَقد أغرب الكيد أَنِّي حَيْثُ قَالَ الْعَاشِر من الْمُحرمَات الْإِشَارَة بالسبابة كَأَهل الحَدِيث أَي مثل جمَاعَة يجمعهُمْ الْعلم بِحَدِيث الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا مِنْهُ خطأ عَظِيم جرم جسيم منشأه الْجَهْل بقواعد الْأُصُول ومراتب الْفُرُوع من الْمَنْقُول وَلَوْلَا حسن الظَّن بِهِ وَتَأْويل كَلَام نَفسه لَكَانَ كفره صَرِيحًا وارتداده صَحِيحا فَهَل لمُؤْمِن أَن يحرم مَا ثَبت فعله مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا كَاد نَقله ان يكون متواترا وَيمْنَع جَوَاز مَا عَلَيْهِ عَامَّة الْعلمَاء كَابِرًا عَن كَابر مكابرا وَالْحَال أَن الإِمَام الْأَعْظَم والهمام الأقدم قَالَ لَا يحل لأحد أَن يَأْخُذ بقولنَا مالم يعلم مأخذه من الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة وَالْقِيَاس الْجَلِيّ فِي الْمَسْأَلَة فَإِذا عرفت هَذَا فَاعْلَم أَنه لَو لم يكن نَص للْإِمَام على المرام لَكَانَ من الْمُتَعَيّن على أَتْبَاعه من الْعلمَاء الْكِرَام فضلا عَن الْعَوام أَن يعملوا بِمَا صَحَّ عَنهُ عَلَيْهِ وعَلى آله الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَذَا لَو صَحَّ عَن