للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

جمَاعَة، فأنشدهم عسل: // من مجزوء الْبَسِيط // (هَلْ خَبَّرَ الْقَبْرُ سَائِلِيهِ ... أَمْ قَرَّ عَيْنًا بِزَائِرِيهِ) (أَمْ هَلْ تَرَاهُ أَحَاطَ عِلْمًا ... بِالْجَسَدِ الْمُسْتَكِنِّ فِيهِ) (لَوْ يَعْلَمُ الْقَبْرُ مَنْ يُوَارِي ... تَاهَ عَلَى كُلِّ مَنْ يَلِيهِ)

وَهِيَ قَصِيدَةٌ.

فَسَأَلُوهُ أَنْ يُمْلِيهَا عَلَيْهِمْ، فَوَعَدَهُمْ، فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو عَلِيٍّ: لَا تكلفوا الشَّيْخ مَا يكرههُ، فَقَامَ فَأَمْلاهَا عَلَيْهِمْ، وَإِذَا هُوَ قَدْ حَفِظَهَا مِنْ لَفْظِهِ.

وَكَانَ عِسْلٌ ضَنِينًا بِعِلْمِهِ، وَكَانَ إِذَا رَأَى مُتَعَلِّمًا ذَكِيًّا يَفْهَمُ وَيَحْفَظُ قَالَ: يُعِينُ اللَّهُ وَالْبَلْغَمَ.

يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ يَبْلُوهُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا بِمَا يُنَسِّيهِ الْعِلْمَ، وَالْبَلْغَمُ مِمَّا يُنَسِّي.

وَذُكِرَ لِي عَنْ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ قَالَ: ضَاقَتْ بِي الْحَالُ أَيَّامَ طَلَبِي الْعِلْمَ، فعجزت عَن شِرَاء البرز، فَكُنْتُ أَخْرُجُ بِاللَّيْلِ إِلَى الدَّرْبِ الَّذِي أَنْزِلُهُ، وأرتفق بسراج الحارس، وَكَانَ رُبمَا ينَام الحارس، فَكنت أنوب عَنهُ

هَذَا - وَأَبِيكَ - الْحِرْصُ وَالاجْتِهَادُ، لَا جَرْمَ أَنَّهُ صَارَ أَحَدَ أَعْيَانِ الدُّنْيَا الْمُشَارَ إِلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَالْفضل والبراعة والجاه العريض الْبَاقِي عَلَى أَعْقَابِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ، وَمَنْ طَلَبَ وَجَدَ، إِلا مَا قَلَّ وَشَذَّ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ لأَبِي هَاشِمٍ: مَا أَحْسَنَ جَمْعَكَ لِمَعَانِي كُتُبِ أبي عَليّ

<<  <   >  >>