للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عدوه فَليعلم أَن الْكَلْب والأرنب أسْرع عدوا مِنْهُ وَمن سر بِحسن صَوته فَليعلم أَن كثيرا من الطير أحسن صَوتا مِنْهُ وَأَن أصوات المزامير ألذ وأطرب من صَوته فَأَي فَخر وَأي سرُور فِي مَا تكون فِيهِ هَذِه الْبَهَائِم مُتَقَدّمَة عَلَيْهِ لَكِن من قوي تَمْيِيزه واتسع علمه وَحسن عمله فليغتبط بذلك فَإِنَّهُ لَا يتقدمه فِي هَذِه الْوُجُوه إِلَّا الْمَلَائِكَة وَخيَار النَّاس قَول الله تَعَالَى {وَأما من خَافَ مقَام ربه وَنهى النَّفس عَن الْهوى فَإِن الْجنَّة هِيَ المأوى} جَامع لكل فَضِيلَة لِأَن نهي النَّفس عَن الْهوى هُوَ ردعها عَن الطَّبْع الغضبي وَعَن الطَّبْع الشهواني لِأَن كليهمَا وَاقع تَحت مُوجب الْهوى فَلم يبْق إِلَّا اسْتِعْمَال النَّفس للنطق الْمَوْضُوع فِيهَا الَّذِي بِهِ بَانَتْ عَن الْبَهَائِم والحشرات وَالسِّبَاع قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للَّذي استوصاه (لَا تغْضب) وَأمره عَلَيْهِ السَّلَام أَن يحب الْمَرْء لغيره مَا يحب لنَفسِهِ جامعان لكل فَضِيلَة لِأَن فِي نَهْيه عَن الْغَضَب ردع النَّفس ذَات الْقُوَّة الغضبية عَن هَواهَا وَفِي أمره عَلَيْهِ السَّلَام أَن يحب الْمَرْء لغيره مَا يحب لنَفسِهِ ردع النَّفس عَن الْقُوَّة الشهوانية وَجمع لأزمة الْعدْل الَّذِي هُوَ فَائِدَة النُّطْق الْمَوْضُوع فِي النَّفس الناطقة رَأَيْت أَكثر النَّاس إِلَّا من عصم الله تَعَالَى وَقَلِيل مَا هم يتعجلون الشَّقَاء والهم والتعب لأَنْفُسِهِمْ فِي الدُّنْيَا ويحتقبون عَظِيم الْإِثْم الْمُوجب للنار فِي الْآخِرَة بِمَا لَا يحظون مَعَه بنفع أصلا من نيات خبيثة

<<  <   >  >>