للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مع إمكان الجهر بلا سماع، ولا يمكن مع هذا القرب والصحبة الطويلة ألا يسمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يجهر بها مع كونه يجهر بها، ومما يؤيد ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لو كان يجهر بها دائماً لكانت الهمم والدواعي متوفرة على نقل ذلك، كجهره بسائر الفاتحة.

ومن أدلة ذلك ما ورد عن ابن عبد الله بن مغفل قال: (سمعني أبي وأنا أقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: (أَيْ بُنَيَّ إياك والحدث، قال: ولم أر أحداً من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان أبغض إليه الحدث في الإسلام يعني منه، قال: وصليت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ومع أبي بكر وعمر ومع عثمان فلم أسمع أحداً يقولها فلا تقلها، إذا أنت صليت فقل: الحمد لله رب العالمين (١)).

القول الثاني: أنه يسن الجهر بها، وبه قال الشافعي ومن وافقه، واستدلوا بحديث نعيم المجمر المذكور هنا، وهو من أقوى أدلتهم (٢)،

القول الثالث: أنه يخير بينهما، وهو قول إسحاق بن راهويه، وابن حزم (٣)، وكأن هؤلاء أرادوا العمل بجميع الأدلة، ما يدل على الجهر وما يدل على الإسرار، ذكر ذلك ابن المنذر.

والقول الأول هو الراجح، لأن حديث أنس رضي الله عنه برواياته صحيح صريح في المسألة لا يقبل أي تأويل، وأما حديث نعيم المجمر فعنه جوابان:

الأول: أنه معلول بما تقدم.

الثاني: على القول بصحته - وهذا متوجه - فهو ليس صريحاً في الجهر، وإنما فيه أنه قرأ البسملة، وهذا يصدق بقراءتها سراً، وعلى تقدير أنه جهر بها


(١) أخرجه الترمذي (٢٤٤) والنسائي (٢/ ١٣٧) وابن ماجه (٨١٥) وأحمد (٢٧/ ٣٤٢) وحسنه الترمذي، ووافقه الزيلعي في "نصب الراية" (١/ ٣٣٣) وأحمد شاكر في تعليقه على الترمذي، وقد أعل بجهالة ابن عبد الله بن مغفل، والصواب عدم ذلك، فإنه روى عنه ثلاثة، مع تحسين الترمذي حديثه.
(٢) "المجموع" (٣/ ٣٣٣، ٣٤٢).
(٣) انظر: "الأوسط" (٣/ ١٢٩)، "رسالة الزبيدي في حكم الجهر بالبسملة" ص (١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>