للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَفْعِ رَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَمَّا سِوَاهُ (١) .

٩٨- قَالَ أَبُو عُمَرَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أَهْلُ السُّنَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى الإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ كُلِّهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَالإِيمَانِ بِهَا، وَحَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُكَيِّفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَحُدُّونَ فِيهِ صِفَةً مَحْصُورَةً. وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ، الْجَهْمِيَّةُ (٢) ، وَالْمُعْتَزِلَةُ (٣) كُلُّهَا، وَالْخَوَارِجُ، فَكُلُّهُمْ يُنْكِرُهَا،


(١) انظر كلام ابن عبد البر هذا في التمهيد ٧/١٢٨-١٣٠. وقد أورده المصنف هنا بتصرف.
(٢) الجهمية: تقدم ذكر طرف من مذهبهم في الصفات في القسم الخاص بالدراسة، وهم أتباع جهم بن صفوان الترمذي، من أهل خراسان، تتلمذ على يد الجعد بن درهم، وعنه أخذ الكلام بضاعته، إذ كان بمنأى عن علم الحديث والأثر، مفارقا بذلك جمهور المسلمين الذي كان مهتما بعلم الحديث وآثار الصحابة ومرياتهم، وكان هو ومن معه من زمرة المتكلمين يرون أن لا علم إلا ما هم فيه من كلام وجدل، ويمقتون أئمة الحديث، ويلقبونهم بالحشوية. وقد حدث مذهب الجهم بعد انقضاء عصر الصحابة رضوان الله عليهم ببلاد المشرق، فعظمت به الفتنة، وتمالأ أهل الإسلام على إنكار بدعته وتضليله، وتضليل كل من اتبعه وافتتن به، وحذروا منهم وعادوهم في الله وذموا من جلس إليهم، ونشطوا في الرد عليهم بما لم يكن معهودا من قبل، فألفت عشرات الكتب من أجل بين زيغ هذه الطائفة، وبعدها عن الإسلام. انظر: تاريخ الجهمية والمعتزلة، لجمال الدين القاسمي ص ١٠، والخطط للمقريزي ٢/٣٥٧.
(٣) أما المعتزلة فقد ظهرت إثر سؤال طرح في مجلس الحسن البصري -رحمه الله- وهذا السؤال كان عن مرتكبي الكبائر الذين كفرهم الخوارج، وحكم لهم المرجئة بالإيمان المطلق، وقال أهل السنة هم تحت مشيئة الله ورحمته، وهم مؤمنون بما معهم من إيمان، فساق بقدر جرمهم ومعاصيهم ويوم القيامة يحكم الله فيهم، بما يريد إن شاء عفا عنهم، وإن شاء عاقبهم، إلا أنهم لا يخلدون في النار بل يخرجون منها، بعد أن يلقوا جزاء معاصيهم، واعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري، ليقرر مذهب المعتزلة، الذي انفردت به، وهو أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الكفر والإيمان، وهي ما عرف بالمنزلة بين المنزلتين هذا في الدنيا، أما في الآخرة فمرتكب الكبيرة عندهم خالد مخلد في النار، كمقالة الخوارج. ثم تشعبت آراء المعتزلة، وشرعوا في الحديث عن الصفات إثر تأثرهم بالفلسفة التي أشغلوا أنفسهم بقراءة كتبها، فكانوا بعد ذلك يمجدون كل ما هو عقلي، ولا يلوون على نصوص الوحي إلا بما يتفق مع عقولهم، ويوافق هواهم، ولذلك تأثروا بمقالة الجهمية في الصفات، فكان مذهب الجهمية أصلا انبثق عنه مذهب المعتزلة، وكل من كان عنده تعطيل. ولذلك سمي المعتزلة جهمية، ومن أبرز آرائهم قولهم بخلق القرآن، وأن الإنسان يخلق فعله، وأنه لا دخل لقدرة الله ومشيئته في فعل العبد، ولذلك سموا قدرية. انظر عن المعتزلة: مقالات الإسلاميين للأشعري ١/٢٣٥ وما بعدها. وكتاب الغلو والفرق الغالية ص ١١٩-١٢٠، وتاريخ الجهمية والمعتزلة للقاسمي ص ٥٧-٥٩.

<<  <   >  >>