فقد وضح الحق في هذه المسألة بحمد الله، من الحجج القاطعة، من الآيات الباهرة، والأخبار المتواترة، وإجماع الصحابة لما ذكروه في أشعارهم، ومنثور كلامهم، من قول أئمتهم وعامتهم، وروايتهم للسنة في ذلك، قابلين لها، مؤمنين بها، مصدقين بما فيها، لم ينكر ذلك منهم منكر، ولا اعترض منهم عليه معترض، ثم من بعدهم عصرا بعد عصر، حتى قال الإمامان أبو زرعة، وأبو حاتم: هذا ما أدركنا عليه العلماء في جميع الأمصار، حجازا، وعراقا، وشاما، ويمنا، ولم يخالف في ذلك غير مبتدع غال، أو مفتون ضال، وأول من خالف في ذلك فيما علمنا الجهم بن صفوان، فعاب ذلك عليه وعلى أصحابه الأئمة من العلماء، والسادة من الفقهاء، واستعظموا قولهم وبدعتهم، ثم إن الجهمية مضطرون إلى موافقة أهل الإسلام على رفع أيديهم في الدعاء، وانتظار الفرج من السماء (١) ، وقول سبحان ربي الأعلى، وتلاوة ما يدل على ذلك من كلام الله تعالى، وسنة رسوله المصطفى، ثم لا يزالون يسمعون من السنة ما يقرع رؤوسهم، ويحزن قلوبهم، ويسمعون من عامة المسلمين في أسواقهم ومحاوراتهم من ذلك ما يغيضهم، لا يستطيعون له ردا، ولا يجدون من سماعه بدا، وليس لهم في بدعتهم هذه حجة من كتاب ولا سنة، ولا قول صحابي، ولا إمام مرضي، إلا اتباع الهوى، ومخالفة سنة المصطفى وأئمة الهدى، ومن وفقه الله تعالى لسلوك صراطه المستقيم، والاقتداء بنبيه الصادق الأمين، واتباع صحابته الغر الميامين، ورضي لنفسه بما رضي به أئمة المسلمين، وعامة المؤمنين، أراح نفسه في الدنيا من مخالفة المسلمين، وفي الآخرة من العذاب الأليم، وأتاه الله الأجر العظيم، وهداه إلى الصراط المستقيم، وأنعم عليه بمرافقة النبيين وأصحاب اليمين، بدليل قول الله
(١) يقصد المصنف ان القوم متمردون على الفطرة، ولذلك نجدهم يعودون إليها رغم أنوفهم من غير قصد منهم إلى ذلك، إلا الاضطرار الذي أودعه الله في قلوب مخلوقاته جميعا. ومثلهم في ذلك مثل المشركين الذين لا يذكرون الله إلا في حال الكرب، حين يدعون الله وحده لا شريك، وينسون ما يشركون، وإذا عادوا ونجوا عادوا إلى شركهم.