وهكذا نرى أن هذه الأحاديث وما سبقها من الآيات تدل بغاية الصراحة والوضوح على علو الله تبارك وتعالى بذاته، وأنه سبحانه في جهة العلو دون غيرها من الجهات، ورغم وضوح الأدلة وصراحتها بذلك فقد أنكر المبتدعة علو الله تعالى بذاته، وحكموا بعقولهم -المريضة- على نصوص الوحي، فقالوا: لو كان الله تعالى كذلك -أي في جهة العلو بذاته- لأشبه المخلوقات، لأن ذلك يعني أن يكون الله في مكان، والمكان يقتضي التحيز والتجسيم، وهذه من خصائص المخلوقين، لأن ما أحاطت به الأمكنة واحتوته فهو مخلوق مجسم. إلا أن هذا لا يلزم أهل الحق في شيء. يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: ولا معنى لهذا الإلزام، لأنه تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} من خلقه، ولا يقاس بشيء من بريته، ولا يدرك بقياس، ولا يقاس بالناس، لأنه سبحانه كان قبل الأمكنة، ثم يكون بعدها، لا إله إلا هو خالق كل شيء لا شريك له. وقد اتفق المسلمون وكل ذي لب أنه لا يعقل كائن إلا في مكان، وما ليس في مكان فهو عدم. وقد صح في العقول، وثبت بالدلائل أنه كان في الأزل لا في مكان، وليس بمعدوم، فكيف يقاس على شيء من خلقه، أو يجري بينه وبينهم تمثيل أو تشبيه، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.