للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٦- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أَنْبَأَ حَمَدٌ، أَنْبَأَ أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شِبْلٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ اسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ رَكِبْتَ بِرْذَوْنًا، يَلْقَاكَ عُظَمَاءُ النَّاسِ، وَوُجُوهُهُمْ، فَقَالَ: لَا أَرَاكُمْ هَاهُنَا، إِنَّمَا الأَمْرُ مِنْ هَاهُنَا، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى السَّمَاءِ (١) .

٥٧- قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِّينَا مِنْ وُجُوهٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ خَرَجَ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَمَرَّ بِعَجُوزٍ فَاسْتَوْقَفَتْهُ، فَوَقَفَ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهَا وَتُحَدِّثُهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَبَسْتَ النَّاسَ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ، قَالَ: وَيْلُكَ، تَدْرِي مَنْ هِيَ؟ هَذِهِ امْرَأَةٌ سَمِعَ اللَّهُ شَكْوَاهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، هَذِهِ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} (٢) ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّهَا وَقَفَتْ إِلَى اللَّيْلِ مَا فَارَقْتُهَا إِلَّا


(١) أورده الذهبي في العلو ص ٦٢، وقال: إسناده كالشمس.
وقال الشيخ الألباني في المختصر ص ١٠٣: وهو إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه أبو نعيم في الحلية ١/٤٧، وأبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه، برقم: (١٥٦٩١) ، ورقم: (١٦٢٩٠) ، ١٣/٤٠، ٢٦٣. والدارمي في الرد على الجهمية ص ٢١.
(٢) سورة المجادلة/ ١.
العجوز المذكورة في هذا الأثر هي: خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت، وكانت قصتها مع زوجها سببا لنزول هذه الآية، راجع تفسير ابن كثير ٨/٦١.
وفي هذا الحديث دليل على عظمة الله سبحانه، وأنه لا يخفى عليه شيء، وأن سمعه سبحانه وسع الأصوات كلها، وقصة خولة بنت ثعلبة من أعظم الأدلة وأصرحها على أن الله تعالى يسمع جميع الأصوات لا يخفى عنه شيء منها قرب أو بعد، وهذا يدل على أنه لا شبيه لله في صفاته، لأن هذا الأمر ليس إلا لله، أما المخلوق فإنه لا يسمع من الأصوات إلا ما كان في مجال سمعه قريبا منه، تهيأت له أسباب سماعه. ساق الإمام أحمد -رحمه الله- بسنده إلى عائشة رضي الله عنها، قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تكلمه، وأنا في ناحية البيت، ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} (المجادلة: من الآية: ١) . مسند أحمد ٦/٤٦.
ورواه البخاري في صحيحه تعليقا، انظر: كتاب التوحيد، باب "وكان الله سميعا بصيرا"، ١٣/٣٧٢. فالله تعالى في السماء، وخولة في الأرض في ناحية من نواحي منزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تساره بقصتها، وعائشة قريبة منهما لا تسمع ما يقولان، والله سبحانه فوق سمواته وسمع قولها وفرج كربتها، وهذا من كمال الخالق وعظمته، وعجز المخلوق وافتقاره، فسبحان الله كيف عميت أعين الجهمية عن مثل هذه الأدلة الصارخة، بل كيف تجرأوا على التلاعب بها، وتحريفها عن موردها الذي أراد الله تعالى منها؟!

<<  <   >  >>