للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ رَأَيْت مَنْ يُوَاطِئُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ كُلَّمَا صَلَحَتْ ثَمَرَةٌ يُقْسِطُ عَلَيْهَا بَعْضَ الثَّمَنِ. وَهَذَا مِنْ الْحِيَلِ الْبَارِدَةِ الَّتِي لَا تَخْفَى حَالُهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا يَزَالُ الْعُلَمَاءُ وَالْمُؤْمِنُونَ ذَوُو الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ يُنْكِرُونَ تَحْرِيمَ مِثْلِ هَذَا مَعَ أَنَّ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ تُنَافِي تَحْرِيمَهُ؛ لَكِنْ مَا سَمِعُوهُ مِنْ العمومات اللَّفْظِيَّةِ وَالْقِيَاسِيَّةِ الَّتِي اعْتَقَدُوا شُمُولَهَا لِمِثْلِ هَذَا مَعَ مَا سَمِعُوهُ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُدْرِجُونَ هَذَا فِي الْعُمُومِ: هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ مَا أَوْجَبَ. وَهُوَ قِيَاسُ مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ المقثاة جَمِيعِهَا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا؛ لِأَنَّ تَفْرِيقَ بَعْضِهَا مُتَعَسِّرٌ أَوْ مُتَعَذَّرٌ كَتَعَسُّرِ تَفْرِيقِ الْأَجْنَاسِ فِي الْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَشَقَّةُ فِي المقثاة أَوْكَدَ؛ وَلِهَذَا جَوَّزَهَا مَنْ مَنَعَ الْأَجْنَاسَ كَمَالِكٍ. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الصُّورَةُ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكْرَاهُ الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ لِيَعْمَلَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ - كَمَا قَرَّرْتُمْ - لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْعُمُومِ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ لِمَنْ يَعْمَلُ لَا بَيْعٌ لِعَيْنِ وَأَمَّا هَذَا فَبَيْعٌ لِلثَّمَرَةِ فَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ. فَكَيْفَ تُخَالِفُونَ النَّهْيَ؟ قُلْنَا: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا كَالْجَوَابِ عَمَّا يَجُوزُ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مِنْ ابْتِيَاعِ الشَّجَرِ مَعَ ثَمَرَةِ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَابْتِيَاعِ الْأَرْضِ مَعَ زَرْعِهَا الَّذِي لَمْ يَشْتَدَّ حَبُّهُ؛ وَمَا نَصَرْنَاهُ مِنْ ابْتِيَاعِ المقاثي مَعَ أَنَّ بَعْضَ