للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والمسلمون سَوَاءً، وَأَهْلُ الْآرَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ سَوَاءٌ إِذا اجتهدوا، وآراءهم وأنفسهم، فأدتهم عُقُولُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ، وَأَنَّ مُخَالِفِيهِمْ عَلَى الْخَطَأِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:

وَلَكِنَّا نَقُولُ: إِنَّ مِنْ وَرَاء اجْتِهَاد كل امرء تَوْفِيقَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي هَذَا كَلَامٌ يَطُولُ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ.

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا، وَجَّهَ رَسُولَيْنِ فِي بِغَاءِ١ ضَالَّةٍ لَهُ، وَأَمْرَهُمَا بِالِاجْتِهَادِ وَالْجِدِّ فِي طَلَبِهَا، وَوَعَدَهُمُ الثَّوَاب، إِن وجداها، فَمضى أَحدهَا خَمْسِينَ فَرْسَخًا فِي طَلَبِهَا، وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ، وَأَسْهَرَ لَيْلَهُ، وَرَجَعَ خَائِبًا. وَمَضَى الْآخَرُ فَرْسَخًا وَادِعًا٢ وَرَجَعَ واجدًا، لم يَكُنْ٣ أَحَقَّهُمَا بِأَجْزَلِ الْعَطِيَّةِ وَأَعْلَى الْحِبَاءِ الْوَاجِدُ. وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ قَدِ احْتَمَلَ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالْعَنَاءِ أَكْثَرَ مِمَّا احْتَمَلَهُ الْآخَرُ.

فَكَيْفَ بِهِمَا إِذَا اسْتَوَيَا؟!

وَقَدْ يَسْتَوِي النَّاسُ فِي الْأَعْمَالِ، وَيُفَضِّلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ يَشَاءُ فَإِنَّهُ لَا دَيْنَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ، وَلَا حَقَّ لَهُ قِبَلَهُ٤.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:

وَقَرَأْتُ فِي الْإِنْجِيلِ: أَنَّ الْمَسِيحَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ لِلْحَوَارِيِّينَ: "مَثَلُ مَلَكُوتِ السَّمَاءِ، مَثَلُ رَجُلٍ، خَرَجَ غَلَسًا٥ يَسْتَأْجِرُ عُمَّالًا لِكَرْمِهِ، فَشَرَطَ لِكُلِّ عَامِلٍ دِينَارًا فِي الْيَوْمِ، ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى كَرْمِهِ.

ثُمَّ خَرَجَ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ، فَرَأَى قَوْمًا بَطَّالِينَ فِي السُّوقِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ، فَإِنِّي سَوْفَ أُعْطِيكُمُ الَّذِي يَنْبَغِي لَكُمْ، فَانْطَلَقُوا.

ثُمَّ خَرَجَ فِي سِتِّ سَاعَاتٍ، وَفِي تِسْعِ سَاعَاتٍ، وَفِي إِحْدَى عَشَرَ سَاعَةٍ، فَفعل مثل ذَلِك.


١ بغاء: طلب.
٢ وادعًا: أَي براحة وَعدم مشقة.
٣ وَفِي نُسْخَة: لم يَك.
٤ قبله: أَي جهه وناحيته.
٥ غلسًا: فِي ظلمَة اللَّيْل.

<<  <   >  >>