وَلِذَلِكَ قِيلَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: "إِذَا رَأَيْتَ سَوَادًا فِي مَنْزِلِكَ، فَلَا تَكُنْ أَجْبَنَ السَّوَادَيْنِ ".
يُرِيدُ: تَقَدَّمْ عَلَيْهِ بِالسِّلَاحِ، فَهَذَا مَوْضِعُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ.
وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: "كُنْ حِلْسَ بَيْتِكَ، فَإِنْ دُخِلَ عَلَيْكَ، فَادْخُلْ مَخْدَعَكَ، فَإِنْ دُخِلَ عَلَيْكَ، فَقُلْ: بُؤْ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ، وَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ" أَيِ: افْعَلْ هَذَا فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ، وَاخْتِلَافِ النَّاسِ عَلَى التَّأْوِيلِ، وَتَنَازُعِ سُلْطَانَيْنِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَطْلُبُ الْأَمْرَ، وَيَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ بِحُجَّةٍ،
يَقُولُ: فَكُنْ حِلْسَ بَيْتِكَ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَلَا تَسُلَّ سَيْفًا، وَلَا تَقْتُلْ أَحَدًا، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَنِ الْمُحِقُّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَمَنِ الْمُبْطِلُ، وَاجْعَلْ دَمَكَ دُونَ دِينِكَ.
وَفِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ قَالَ: "الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ ".
فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} ١ فَإِنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ الْجَمِيعَ مِنَّا، بَعْدَ الْإِصْلَاحِ، وَبَعْدَ الْبَغْيِ -وَأَمَرَ الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، إِذَا لم يجْتَمع ماؤنا عَلَى الْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا، أَنْ نَلْزَمَ مَنَازِلَنَا، وَنَقِيَ أَدْيَانَنَا بِأَمْوَالِنَا، وَأَنْفُسِنَا.
١ سُورَة الحجرات: الْآيَة ٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute