للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

١١- قَالُوا: حَدِيثٌ فِي التَّشْبِيهِ- كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ:

قَالُوا: رُوِّيتُمْ "أَنَّ كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ"١ وَهَذَا يَسْتَحِيلُ إِنْ كُنْتُمْ أَرَدْتُمْ بِالْيَدَيْنِ الْعُضْوَيْنِ، وَكَيْفَ تَعْقِلُ يَدَانِ كِلْتَاهُمَا يَمِينٌ؟ ".

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:

وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَلَيْسَ هُوَ مُسْتَحِيلًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ مَعْنَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ، لِأَنَّ كُلَّ٢ شَيْءٍ؛ فَمَيَاسِرُهُ تَنْقُصُ عَنْ مَيَامِنِهِ فِي الْقُوَّةِ وَالْبَطْشِ وَالتَّمَامِ.

وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُحِبُّ التَّيَامُنَ، وَتَكْرَهُ التَّيَاسُرِ، لِمَا فِي الْيَمِينِ مِنَ التَّمَامِ، وَفِي الْيَسَارِ مِنَ النَّقْصِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: "الْيُمْنُ وَالشُّؤْمُ".

فَالْيُمْنُ مِنَ الْيَدِ: الْيُمْنَى، وَالشُّؤْمُ مِنَ الْيَدِ: الشُّؤْمَى، وَهِيَ الْيَدُ الْيُسْرَى، وَهَذَا وَجْهٌ بَيِّنٌ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ: الْعَطَاءَ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا، لِأَنَّ الْيُمْنَى هِيَ الْمُعْطِيَةُ.

فَإِذَا كَانَتِ الْيَدَانِ يَمِينَيْنِ، كَانَ الْعَطَاءُ بِهِمَا.

وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَمِينُ اللَّهِ سَحَّاءٌ لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ"٣.

أَيْ تَصُبُّ الْعَطَاءَ وَلَا يَنْقُصُهَا ذَلِكَ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمِرَّارُ حِينَ قَالَ:

وَإِنَّ عَلَى الْأَوَانَةِ مِنْ عَقِيلِ ... فَتًى كِلْتَا الْيَدَيْنِ لَهُ يَمِين


١ أخرجه مُسلم: فِي بَاب الْإِمَارَة حَدِيث رقم ١٨.
٢ لَعَلَّ الْأَصَح: لَا كل شَيْء.
٣ أخرجه التِّرْمِذِيّ: تَفْسِير سُورَة ٥/ ٣ وَابْن ماجة: مُقَدّمَة ١٣، وَأحمد ٢/ ٢٤٢، ٣١٢، ٥٠٠.
سحاء: أَي دائمة الصب بالعطاء، لَا يغيضها: أَي لَا ينقصها، غاض المَاء، قل ونضب، وغاضه الله: يتَعَدَّى وَيلْزم "اللَّيْل وَالنَّهَار" ظرف لـ "سحاء".

<<  <   >  >>