للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّه لَيْسَ -هَهُنَا- اخْتِلَافٌ، بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا مَوْضِعٌ، فَإِذَا وُضِعَ بِهِ زَالَ الِاخْتِلَافُ.

أَمَّا قَوْلُهُ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْحَيِيَّ الْعَيِيَّ الْمُتَعَفِّفَ"، فَإِنَّهُ يُرِيدُ: السَّلِيمَ الصَّدْرِ، الْقَلِيلَ الْكَلَامِ، الْقَطِيعَ١ عَنِ الْحَوَائِجِ، لِشِدَّةِ الْحَيَاءِ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بِعَقِبِ هَذَا الْكَلَامِ: "وَيَبْغَضُ الْفَاحِشَ السأَّال الْمُلْحِفَ"، وَهَذَا ضِدُّ الْأَوَّلِ.

وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُحِبُّ عِبَادَهُ عَلَى فَضْلِ اللَّدِّ٢ وَطُولِ اللِّسَانِ، وَلُطْفِ الْحِيلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي ذَلِكَ مَنَافِعُ، وَفِي بَعْضِهِ زِينَةٌ.

وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ"٣، يُرَادُ: الَّذِينَ سَلِمَتْ صُدُورُهُمْ لِلنَّاسِ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِمُ الْغَفْلَةُ.

وَأَنْشَدْنَا لِلنَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ:

وَلَقَدْ لَهَوْتُ بِطِفْلَةٍ مَيَّالَةٍ ... بَلْهَاءَ تُطْلِعُنِي عَلَى أَسْرَارِهَا

وَذَكَرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زَمَانًا فَقَالَ: "خَيْرُ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، كُلُّ نُوَّمَةٍ" يَعْنِي: الْمَيِّتَ الدَّاءِ "أُولَئِكَ أَئِمَّةُ الْهُدَى، وَمَصَابِيحُ الْعِلْمِ، لَيْسُوا بِالْعُجُلِ الْمَذَايِيعِ البُذُر"٥.

وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ٦، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِن الله يحب الأخفياء


١ القطيع: أَي الْمَقْطُوع.
٢ اللد: أَي زِيَادَة الْخُصُومَة، وَلَده: أَي خَصمه.
٣ حَدِيث ضَعِيف رَوَاهُ الْبَزَّار عَن أنس، انْظُر ضَعِيف الْجَامِع رقم ١١٩٤، وتأ, يل ابْن قُتَيْبَة للْحَدِيث متكلف بعيد. -مُحَمَّد مُحَمَّد بدير-
٤ وَفِي نُسْخَة: "مَرَرْت".
٥ المذابيع الْبذر: الَّذين يذيعون أَي يفشون الْكَلَام بَين النَّاس وينقلون الحَدِيث على وَجه النميمة، وَذَلِكَ كَمَا تبذر الْحُبُوب.
٦ معَاذ بن جبل الْأنْصَارِيّ الخزرجي، الإِمَام الْمُقدم فِي علم الْحَلَال وَالْحرَام، شهد الْمشَاهد كلهَا، أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم على الْيمن، كَانَ من أفضل الْأَنْصَار حلمًا وحياة وسخاة، قدم من الْيمن فِي خلَافَة أبي بكر، كَانَت وَفَاته بالطاعون فِي الشَّام سنة ١٧هـ.

<<  <   >  >>