وَقُلْتُمْ: قَالَ مَالِكٌ عَنِ الزَّهْرِيِّ: إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تُفْتِي: بِأَنَّ الرَّضَاعَ يُحَرِّمُ بَعْدَ الْفِصَالِ حَتَّى مَاتَتْ"١، تَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ سَالِمٍ.
قَالُوا: وَهَذَا طَرِيقٌ -عِنْدَكُمْ- مُرْتَضًى صَحِيحٌ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَدَّ وَلَا يُدْفَعَ.
حَدِيثُ رَضَاعِ سَالِمٍ وَهُوَ كَبِيرٌ خَاصٌّ بِهِ:
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ.
وَقَدْ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَغَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ كَانَ ل"سَالم" خَاصَّةً، غَيْرَ أَنَّهُنَّ لَمْ يُبَيِّنَّ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا ل"سَالم".
وَنَحْنُ مُخْبِرُونَ عَنْ قِصَّةِ أَبِي حُذَيْفَة و"سَالم" وَالسَّبَبِ بَيْنَهُمَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
أما أَبُو حُذَيْفَة، فَهُوَ بن عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ فِي الْهِجْرَتَيْنِ جَمِيعًا. وَهُنَاكَ وُلِدَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ وَقِيلَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، وَلَا عَقِبَ لَهُ.
وَأَمَّا "سَالِمٌ" مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، فَإِنَّهُ بَدْرِيٌّ، وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ خَيِّرًا فَاضِلًا. وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ وَفَاتِهِ: "لَوْ كَانَ سَالِمٌ حَيًّا، مَا تَخَالَجَنِي فِيهِ الشَّكُّ".
يُرِيدُ: لَقَدَّمْتُهُ لِلصَّلَاةِ بِالنَّاسِ إِلَى أَنْ يَتَّفِقَ أَصْحَابُ الشُّورَى عَلَى تَقْدِيمِ رَجُلٍ مِنْهُم، ثمَّ قدم صهيبًا.
١ وَقَالَ الإِمَام النَّوَوِيّ رَحمَه الله: اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، فَقَالَت: عَائِشَة وَدَاوُد: تثبت حُرْمَة الرَّضَاع برضاع الْبَالِغ، كَمَا تثبت برضاع الطف لهذ االحَدِيث. وَقَالَ سَائِر الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وعلماء الْأَمْصَار إِلَى الْآن: لَا يثبت إِلَى بإرضاع من لَهُ دون سنتَيْن إِلَّا با حنيفَة فَقَالَ: سنتَيْن وَنصف. وَاحْتج الْجُمْهُور بقوله تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} ، والْحَدِيث الَّذِي ذكره مُسلم: "إِنَّمَا الرَّضَاع من المجاعة"، وحملوا حَدِيث سهلة على أَنه مُخْتَصّ بهَا وَسَالم. وَقد روى مُسلم عَن أم سَلمَة وَسَائِر أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهُنَّ خالفن عَائِشَة فِي هَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute