للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا بد أن يتساءل: أي رابط بين أحكام الأهلة وبين حكم إتيان البيوت؟ ثم لا بد له من اكتشاف سر الارتباط في تعريض القرآن بأن سؤال السائلين في غير محله١، كأنه قال لهم عند سؤالهم عن الحكمة في تمام الأهلة ونقصانها: "معلوم أن كل ما يفعله الله فيه حكمة ظاهرة، ومصلحة لعباده, فدعوا السؤال عنه، وانظروا في واحدة تفعلونها أنتم مما ليس من البر في شيء وأنتم تحسبونها برًا"٢.

وواضح أننا في آية الأهلة قد اكتشفنا الارتباط بين تركيبين تتابعا في آية واحدة، وقد اضطررنا إلى اكتشاف هذا الارتباط لئلا يبدو آخر الآية منفصلا عن أولها، أفلا نضطر إلى إظهار التناسب بين آيتين تستقل كل منهما عن الأخرى بوحدتها الإيقاعية المسماة بالفاصلة؟ ومن ذا الذي أوجب أن تكون رءوس الآي أمارات انقطاع أو رموز انفصال؟

أنقرأ قوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} ٣ فنرى رفع السماء مفصولا عن خلق الإبل, ونصب الجبال مستقلا عن رفع السماء، وسطح الأرض منقطعا عن نصب الجبال، ولا نلمح بين هذه الآيات كلها وجها جامعا أو رابطا فكريا؟ أليس الحد الأدنى من الارتباط بينها ضربا من التناسق التصويري لمجموعة من المشاهد الكونية المعروضة لنظر الإنسان حيثما كان، وهي تضم في لوحة متناسقة الأبعاد والاتجاهات السماء المرفوعة والأرض المسطوحة، والجبال شامخة القمم والجمال بارزة السنام؟! ٤. وهل لنا في استجلاء مواطن ارتباطها واتساقها أن نستعير عبارة الزركشي


١ تفسير المنار ٢/ ١٩٧.
٢ البرهان ١/ ٤١.
٣ سورة الغاشية ١٧-٢٠.
٤ قارن بظلال القرآن ٣٠/ ١٤٩.

<<  <   >  >>