للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونرجع أصداءها متلاقية مع بيئة العربي المخاطب بهذا القرآن، فنقول كما قال: "جمع بينها على مجرى الإلف والعادة بالنسبة إلى أهل الوبر: فإن كل انتفاعهم في معايشهم من الإبل فتكون عنايتهم مصروفة إليها، ولا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب، وذلك بنزول المطر، وهو سبب تقلب وجوهم في السماء، ثم لا بد لهم من مأوى يؤويهم، وحصن يتحصنون به، ولا شيء في ذلك كالجبال! ثم لا غنى لهم -لتعذر طول مكثهم في منزل- عن التنقل من أرض إلى سواها. فإذا نظر البدوي في خياله وجد صورة هذه الأشياء حاضرة فيه على الترتيب المذكور"؟! ١.

أم نقرأ قوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} ٢ وقد اكتنفه من جانبيه قوله: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} ٣ وقوله: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ، وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} ٤، ثم لا نلمح بينها جميعا أي ارتباط؟ أليس في تسمية الدنيا بالعاجلة هنا إيحاء مقصود بقصر الحياة يتناسق مع استعجال النبي تلقي الوحي وتلقفه إياه بتحريك لسانه، كأن الله يقول له: تدبر ما يوحى إليك, ولا يأخذنك فيه ما يأخذ البشر, من العجلة في حياتهم القصيرة العابرة٥؟

صحيح إذن ما ذكره الزمخشري في وجه المناسبة بين قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ


١ البرهان ١/ ٤٥.
٢ سورة القيامة ١٦.
٣ سورة القيامة ١٤-١٥.
٤ سورةا لقيامة ٢٠-٢١.
٥ من حق الزمخشري علينا أن نرد إلى ذوقه الأدبي الرفيع هذا الفهم السديد، فقد قال في تفسير هذه الآيات في كشافه ٤/ ١٦٥: "كلا" ردع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن عادة العجلة. وإنكار لها عليه، وحث على الأناة والتؤدة. وقد بالغ في ذلك بإتباعه قوله: {بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} كأنه قال: بل أنتم يا بني آدم -لأنكم خلقتم من عجل، وطبعتم عليه- تعجلون في كل شيء، ومن ثم تحبون العاجلة {وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} .

<<  <   >  >>