للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خَيْر} ١ وبين قوله قبل ذلك: {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} فإنه علل ذلك بورود الآية الأولى على سبيل الاستطراد عقب ذكر بدو السوءات وخصف الورق عليهما، إظهارًا للمنة فيما خلق الله من اللباس، ولما في العري وكشف العورة من المهانة والفضيحة، وإشعارًا بأن الستر باب عظيم من أبواب التقوى٢.

وصحيح أيضا أن التنظير -أي إلحاق النظير بالنظير- وجه أدبي مستساغ من أوجه التناسب بين ذكر قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} ٣ وقوله قبل ذلك: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ٤، فإن الله أمر رسوله أن يمضي لأمره في تنفيل الغزاة على كره من أصحابه كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العير وهم كارهون، فشبه كراهتهم تنفيله الغزاة بكراهتهم الخروج معه للقتال٥.

وما على قارئ القرآن -لتستبين له وجوه التناسب بين الآيات- إلا أن يحتكم إلى ذوقه الأدبي تارة، ومنطقة الفطري تارة أخرى، وحينئذ يقع على ربط عام أو خاص، ذهني أو خارجي, عقلي أو حسي أو خيالي, من غير أن يقوم لهذه الألفاظ في نفسه مدلولات اصطلاحية أو فلسفية، فكثيرا ما يدور التلازم بين الآيات دوران العلة والمعلول، فإن لم تتلاق ويستلزم بعضها بعضا تقابلت تقابل الأضداد، كذكر الرحمة بعد ذكر العذاب، ووصف الجنة بعد وصف النار، وتوجيه القلوب بعد تحريك العقول، واستخلاص الموعظة بعد سرد الأحكام.


١سورة الأعراف ٢٦.
٢ تفسير الكشاف ١/ ٥٩. وقارن بالبرهان ١/ ٤٩.
٣ سورة الأنفال ٥.
٤ سورة الأنفال ٤.
٥ تفسير الكشاف ١/ ١١٤.

<<  <   >  >>