للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمشاهد الحية المتكررة، والأنماط المتشابهة المتكاثرة، إذا كان لها في عهد الوحي سبب معروف، أو واقع مشهود.

والعين لا تخطئ هذه الألوان الجديدة المتناسقة في مواضع ثلاثة من القرآن. أما أحدها ففي الآيات التي اتفق العلماء على تعديتها إلى غير أسبابها, وأما الآخر ففي تعميم الصياغة ولو وقعت على سبب خاص، وأما الثالث ففي رسم "نماذج" إنسانية تتخطى الزمان والمكان, وتتجاوز المناسبات والأسباب.

إن آيات الظهار -في أوائل سورة المجادلة- نزلت في أوس بن الصامت، فقد ظاهر من امرأته فحرمها على نفسه كظهر أمه, وصرحت الآيات بأن كفارة الظهار تحرير رقبة، أو صيام شهرين متتابعين, أو إطعام ستين مسكينا، ثم وقعت لسلمة بن صخر واقعة مماثلة, فظاهر من امرأته حتى ينسلخ شهر رمضان, فلما سأل النبي عن شأنه أفتاه بما أنزل الله في أوس, ولم يكن حديث سلمة سبب نزول الآيات ولكن حديث أوس كان سبب نزولها، بيد أن العلماء اتفقوا على تعدية هذه الآيات إلى غير سببها، فقالوا في أوائل تفسيرها على سبيل التجوز: نزلت آيات الظهار في سلمة بن صخر١.

وفي حديث الإفك نزل حد القذف في رماة السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها،٢ وكان رماتها معلومين, ولكن حد القذف تعداهم إلى سواهم، رغم ارتكابهم أقبح قذف وأوقحه لأنهم رموا أم المؤمنين, ومن رمى أم قوم فقد رماهم, حتى جاءت عبارة الآية عامة جمعت في لفظ المحصنات عائشة مع غيرها فقال الله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} ٣ الآية.

والقول بتعدية الآيات إلى غير أسبابها جر الجمهور إلى الأخذ بعموم اللفظ


١ انظر تفسير ابن كثير ٤/ ٣١٨-٣٢٢.
٢ سورة النور ٧-٩.
٣ سورة النور ٤.

<<  <   >  >>