الوجه الثاني: أن الذمي إذا سب الرسول أو سب الله أو عاب الإسلام علانية فقد نكث يمينه وطعن في ديننا لأنه لا خلاف بين المسلمين أنه يعاقب على ذلك ويؤدب عليه فعلم أنه لم يعاهد عليه لأنا لو عاهدناه عليه ثم فعله لم تجز عقوبته عليه وإذا كنا قد عاهدناه على أن لا يطعن في ديننا ثم يطعن في ديننا فقد نكث في دينه من بعد عهده وطعن في ديننا فيجب قتله بنص الآية وهذه دلالة قوية حسنة لأن المنازع يسلم لنا أنه ممنوع من ذلك بالعهد الذي بيننا وبينه لكن نقول: ليس كل ما منع منه نقض عهده كإظهار الخمر والخنزير ونحو ذلك فنقول: قد وجد منه شيئان: ما منعه منه العهد وطعن في الدين بخلاف أولئك فإنه لم يوجد منهم إلا فعل ما هم ممنوعون منه بالعهد فقط والقرآن يوجب قتل من نكث يمينه من بعد عهده وطعن في الدين ولا يمكن أن يقال "لم ينكث" لأن النكث هو مخالفة العهد فمتى خالفوا شيئا مما صولحوا عليه فهو نكث مأخوذ من نكث الحبل وهو نقض قواه ونكث الحبل يحصل بنقض قوة واحدة كما يحصل بنقض جميع القوى ولكن قد بقى من قواه ما يستمسك الحبل به وقد يهن بالكلية وهذه المخالفة من المعاهد قد تبطل العهد بالكلية حتى تجعله حربيا وقد شعث العهد حتى تبيح عقوبتهم كما أن نقض بعض الشروط في البيع والنكاح ونحوهما قد يبطل البيع بالكلية كما لو وصفه بأنه فرس فظهر بعيرا وقد يبيح الفسخ كالإخلال بالرهن والضمين هذا عند من يفرق في المخالفة وأما من قال: "ينتقض العهد بجميع المخالفات" فالأمر ظاهر على قوله وعلى التقديرين قد اقتضى العقد أن لا يظهروا شيئا من عيب ديننا وأنهم متى أظهروا فقد نكثوا وطعنوا في الدين فيدخلون في عموم الآية لفظا ومعنى ومثل هذا العموم يبلغ درجة النص.