للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} وقال: "زاغوا فزيغ بهم" ولا يجوز أن يكون أمر بقتلهم لمجرد قتالهم الناس كما يقاتل الصائل من قاطع الطريق ونحوه وكما يقاتل البغاة لأن أولئك إنما يشرع قتالهم حتى تنكسر شوكتهم ويكفوا عن الفساد ويدخلوا في الطاعة ولا يقتلون أينما لقوا ولا يقتلون قتل عاد وليسوا شر قتلى تحت أديم السماء ولا يؤمر بقتلهم وإنما يؤمر في آخر الأمر بقتالهم فعلم أن هؤلاء أوجب قتلهم مروقهم من الدين لما غلوا فيه حتى مرقوا منه كما دل عليه قوله في حديث علي: "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم" فرتب الأمر بالقتل على مروقهم فعلم أنه الموجب له ولهذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم الطائفة الخارجة وقال: "لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم علي لسان محمد لنكلوا عن العمل وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعيرات بيض" وقال: " إنهم يخرجون على خير فرقة من الناس يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق " وهذا كله في الصحيح فثبت أن قتلهم لخصوص صفتهم لا لعموم كونهم بغاة أو محاربين وهذا القدر موجود في الواحد منهم كوجوده في العدد منهم وإنما لم يقتلهم علي رضي الله عنه أول ما ظهروا لأنه لم يبن له أنهم الطائفة المنعوتة حتى سفكوا دم ابن خباب وأغاروا على سرح الناس فظهر فيهم قوله: " يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان " فعلم أنهم المارقون ولأنه لو قتلهم قبل المحاربة لربما غضبت لهم قبائلهم وتفرقوا على علي رضي الله عنه وقد كان حاجته إلى مداراة عسكره واستئلافهم

<<  <   >  >>