الوجه الرابع: أن العهد المطلق لو لم يقتض ذلك فالعهد الذي عاهدهم عليه عمر بن الخطاب وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه قد تبين فيه ذلك وسائر أهل الذمة إنما جروا على مثل ذلك العهد.
روى حرب بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن غنم قال: كتب لعمر بن الخطاب حين صالح نصارى أهل الشام: "هذا كتاب لعبد الله أمير المؤمنين من مدينة كذا وكذا إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا على أن لا نحدث وذكر الشروط إلى أن قال: ولا نظهر شركا ولا ندعوا إليه أحدا وقال في آخره: شرطنا ذلك على أنفسنا وأهلينا وقبلنا عليه الأمان فإن نحن خالفنا عن شيء شرطنا لكم وضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم منا ما حل من أهل المعاندة والشقاق".
وقد تقدم قول عمر له في مجلس العقد:"إنا لم نعطك الذي أعطيناك لتدخل علينا في ديننا والذي نفسي بيده لئن عدت لأضربن عنقك" وعمر صاحب الشروط عليهم.
فعلم بذلك أن شروط المسلمين عليهم أن لا يظهروا كلمة الكفر وأنهم متى أظهروها صاروا محاربين وهذا الوجه يوجب أن يكون السب نقضا للعهد عند من يقول: لا ينتقض العهد به إلا إذا شرط عليهم تركه كما خرجه بعض أصحابنا وبعض الشافعية في المذهبين.
وكذلك يوجب أن يكون نقضا للعهد عند من يقول: إذا شرط عليهم انتقاض العهد بفعله انتقض كما ذكره بعض أصحاب الشافعي فإن أهل الذمة إنما هم جارون على شروط عمر لأنه لم يكن بعده إمام عقد عقدا يخالف عقده بل كل الأئمة جارون على حكم عقده والذي سعى أن يضاف إلى من خالف