فقال محيصة: نعم والله فقال حويصة: والله إن دينا بلغ هذا منك لعجب.
وذكر غير ابن إسحاق أن اليهود حذرت وذلت وخافت من يوم قتل ابن الأشرف فلما أتى الله بأمره الذي وعده من ظهور الدين وعز المؤمنين أمر رسوله بالبراءة إلى المعاهدين وبقتال المشركين كافة وبقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
فكان ذلك عاقبة الصبر والتقوى اللذين أمرهم بهما في أول الأمر وكان إذ ذاك لا يؤخذ من أحد من اليهود الذين بالمدينة ولا غيرهم جزية وصارت تلك الآيات في حق كل مؤمن مستضعف لا يمكنه نصر الله ورسوله بيده ولا بلسانه فينتصر بما يقدر عليه من القلب ونحوه وصارت آية الصغار على المعاهدين في حق كل مؤمن قوي يقدر على نصر الله ورسوله بيده أو لسانه وبهذه الآية ونحوها كان المسلمون يعملون في آخر عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهده خلفائه الراشدين وكذلك هو إلى قيام الساعة لا تزال طائفة من هذه الأمة قائمين على الحق ينصرون الله ورسوله النصر التام فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
فإن قيل: قد قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى} إلى قوله: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} فأخبر أنهم يحيون الرسول تحية منكرة وأخبر أن العذاب في الآخرة يكفيهم عليها فعلم أن تعذيبهم في الدنيا ليس بواجب.