المسلمين ضررا يفوق قتل النفس وأخذ المال من بعض الوجوه فإنه لا أبلغ في إسفال كلمة الله ولا إذلال كتاب الله وإهانة كتاب الله من أن يظهر الكافر المعاهد السب والشتم لمن جاء بالكتاب.
ولأجل هذا الفرق فصل أصحابنا وأصحاب الشافعي الأمور المحرمة عليهم في العهد الذي بيننا وبينهم إلى ما يضر المسلمين في نفس أو مال أو دين وإلى ما لا يضر وجعلوا القسم الأول ينقض العهد حيث لا ينقضه القسم الثاني لأن مجرد العهد ومطلقه يوجب الإمتناع عما يضر المسلمين ويؤذيهم فحصوله تفويت لمقصود العقد فيفسخه كما لو فات مقصود البيع بتلف العوض قبل القبض أو ظهوره مستحقا ونحوه بخلاف غيره ولأن تلك المضرات يوجب جنسها عقوبة المسلم بالقتل فلأن يوجب عقوبة المعاهد بالقتل أولى وأحرى لأن كلاهما ملتزم إما بإيمانه أو بأمانة أن لا يفعلها ولأن تلك المضرات من جنس المحاربة والقتال وذلك لإبقاء العهد معه بخلاف المعاصي التي فيها مراغمة ومصارمة.
فإن قيل: فقد أقروا على ما هم عليه من الشرك الذي هو أعظم من سب الرسول عليه الصلاة والسلام فيكون إقرارهم على سب الرسول أولى بل قد أقروا على سب الله تعالى وذلك لأن النصارى يعتقدون التثليث ونحوه وهو شتم لله تعالى لما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد ".