ويخزيها بالغلبة لأن ما حاق بهم من العذاب والخزي يكفي في ردعهم وردع أمثالهم عما فعلوه من النقض والطعن أما الواحد فلو لم يقتل بل من عليه لم يكن هناك رادع قوي عن قوله عن فعله.
وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سبى بني قريظة قتل المقاتلة واسترق الذرية إلا امرأة واحدة كانت قد ألقت رحى من فوق الحصن على رجل من المسلمين فقتلها لذلك وحديثها مع عائشة رضي الله عنها معروف ففرق صلى الله عليه وسلم بين من اقتصر على نقض العهد وبين من آذى المسلمين مع ذلك وكان لا يبلغه عن أحد من المعاهدين أنه آذى المسلمين إلا ندب إلى قتله وقد أجلى كثير ومن على كثير ممن نقض العهد فقط.
وأيضا فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عاهدوا أهل الشام من الكفار ثم نقضوا العهد فقاتلوهم ثم عاهدوهم مرتين أو ثلاثا وكذلك مع أهل مصر ومع هذا فلم يظفروا بمعاهد آذى المسلمين بطعن في الدين أو زنى بمسلمة ونحو ذلك إلا قتلوه وأمروا بقتل هؤلاء الأجناس عينا من غير تخيير فعلم أنهم فرقوا بين النوعين.
وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل مقيس بن حبابة وعبد الله بن خطل ونحوهما مما ارتد وجمع إلى ردته قتل مسلم ونحوه من الضرر ومع هذا فقد ارتد في عهد أبي بكر رضي الله عنه خلق كثير وقتلوا من المسلمين عددا بعد الامتناع مثل ما قتل طليحة الأسدي عكاشة بن محصن وغيره ولم يؤخذ أحد منهم بقصاص بعد ذلك فإذا كان المرتد يؤخذ بما أصابه قبل الامتناع من الجنايات ولا يؤخذ بما فعله بعد الامتناع فكذلك الناقض للعهد لأن كليهما خرج عما عصم به دمه: هذا نقض إيمانه وهذا نقض أمانه وإن كان في هذا خلاف بين الفقهاء في المذهب وغيره فإنما قسنا على أصل ثبت بالسنة وإجماع