إلى قوله {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَه} فعلم أن إيذاء رسول الله محادة لله ولرسوله لأن ذكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة فيجب أن يكون داخلا فيه ولولا ذلك لم يكن الكلام مؤتلفا إذا أمكن أن يقال: إنه ليس بمحاد ودل ذلك على أن الإيذاء والمحادة كفر لأنه أخبر أن له نار جهنم خالدا فيها ولم يقل "هي جزاؤه" وبين الكلامين فرق بل المحادة هي المعاداة والمشاقة وذلك كفر ومحاربة فهو أغلظ من مجرد الكفر فيكون المؤذي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كافرا عدوا لله ورسوله محاربا لله ورسوله لأن المحادة اشتقاقها من المبيانة بأن يصير كل واحد منهما في حد كما قيل "المشاقة: أن يصير كل منهما في شق والمعاداة: أن يصير كل منهما في عدوة".
وفي الحديث أن رجلا كان يسب النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" من يكفيني عدوي " وهذا ظاهر قد تقدم تقريره وحينئذ فيكون كافرا حلال الدم لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ} ولو كان مؤمنا معصوما لم يكن أذل لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} وقوله: {كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} والمؤمن لا يكبت كما كبت مكذبو الرسل قط ولأنه قد قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية فإذا كان من يواد المحاد ليس بمؤمن فكيف بالمحاد نفسه؟ وقد قيل: إن من سبب نزولها أن أبا قحافة شتم النبي صلى الله عليه وسلم فأراد الصديق قتله أو أن ابن أبي تنقص النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن ابنه