قيل: المؤمن الذي يحب الله ورسوله ليس على الإطلاق بمحاد لله ورسوله كما أنه ليس على الإطلاق بكافر ولا منافق وإن كانت له ذنوب كثيرة إلا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنعيمان وقد جلد في الخمر غير مرة "إنه يحب الله ورسوله" لأن مطلق المحادة يقتضي مطلق المقاطعة والمصارمة والمعاداة والمؤمن ليس كذلك لكن قد يقع اسم النفاق على من أتى بشعبة من شعبه ولهذا قالوا: "كفر دون كفر" و"ظلم دون ظلم" و"فسق دون فسق" وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كفر بالله تبرأ من نسب وإن دق " و" من حلف بغير الله فقد أشرك " و"آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان ".
وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه.
فوجه هذا الحديث أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عنى بالفاجر المنافق فلا ينقض الاستدلال أو يكون عنى كل فاجر لأن الفجور مظنة النفاق فما من فاجر إلا يخاف أن يكون فجوره صادرا عن مرض في القلب أو موجبا له فإن المعاصي بريد الكفر فإذا أحب الفاسق فقد يكون محبا للمنافق فحقيقة الإيمان بالله واليوم الآخر أن لا يواد من أظهر من الأفعال ما يخاف معها أن يكون محادا لله ورسوله فلا ينقض الاستدلال أيضا أو أن تكون الكبائر من شعب المحادة لله ورسوله فيكون مرتكبها محادا من وجه وإن كان مواليا لله ورسوله من وجه آخر ويناله من الذلة والكبت بقدر قسطه من المحادة كما قال الحسن: "وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين إنّ ذلّ المعصية لفي رقابهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه فالعاصي يناله من الذلة والكبت بحسب معصيته وإن كان له من عزة الإيمان بحسب إيمانه كما يناله من الذم والعقوبة وحقيقة الإيمان أن لا يواد المؤمن من حاد الله بوجه من