للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فأنزل الله فيهم هذه الآية فندم الحارث وأرسل إلى قومه: أن سلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لي توبة؟ ففعلوا ذلك فأنزل الله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه فقال الحارث: إنك والله ما علمت لصدوق وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك وإن الله عز وجل لأصدق الثلاثة فرجع الحارث إلى المدينة وأسلم وحسن إسلامه.

فهذا رجل قد ارتد ولم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم بعد عوده إلى الإسلام ولأن الله تعالى قال في إخباره عن المنافقين: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ} فدل على أن الكافر بعد إيمانه قد يعفى عنه وقد يعذب وإنما يعفى عنه إذا تاب فعلم أن توبته مقبولة.

وذكر أهل التفسير أنهم كانوا جماعة وأن الذي تاب منهم رجل واحد يقال له مخشي بن حمير وقال بعضهم: كان قد أنكر عليهم بعض ما سمع ولم يمالئهم عليه وجعل يسير مجانبا لهم فلما نزلت هذه الآيات برئ من نفاقه وقال: "اللهم إني لا أزال أسمع آية تقر عيني تقشعر منها الجلود وتجب منها القلوب اللهم فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك" وذكروا القصة.

وفي الاستدلال بهذا نظر ولأنه قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم} إلى قوله: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ

<<  <   >  >>