من ثبت نفاقه وزندقته أن يستتاب كالمرتد فإن تاب وإلا قتل ولم يبلغنا أنه استتاب واحدا بعينه منهم فعلم أن الكفر والردة لم تثبت على واحد بعينه ثبوتا يوجب أن يقتل كالمرتد ولهذا كان يقبل علانيتهم ونكل سرائرهم إلى الله فإذا كانت هذه حال من ظهر نفاقه بغير البينة الشرعية فكيف حال من لم يظهر نفاقه؟ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:"إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم" لما استؤذن في قتل ذي الخويصرة ولما استؤذن أيضا في قتل رجل من المنافقين قال: "أليس يشهد أن لا إله إلا الله" قيل: بلى قال: "أليس يصلي؟ " قيل: بلى قال: "أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم" فأخبر عليه الصلاة والسلام أنه نهي عن قتل من أظهر الإسلام من الشهادتين والصلاة وإن ذكر بالنفاق ورمي به وظهرت عليه دلالته إذا لم يثبت بحجة شرعية أنه أظهر الكفر وكذلك قوله في الحديث الآخر: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" معناه إني أمرت أن أقبل منهم ظاهر الإسلام وأكل بواطنهم إلى الله والزنديق والمنافق إنما يقتل إذا تكلم بكلمة الكفر وقامت عليه بذلك بينة وهذا حكم بالظاهر لا بالباطن وبهذا الجواب يظهر فقه المسألة.
الوجه الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم كان يخاف أن يتولد من قتلهم من الفساد أكثر مما في استبقائهم وقد بين ذلك حيث قال: "لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه" وقال: "إذا ترعد له آنف كثيرة بيثرب" فإنه لو قتلهم بما يعلمه من كفرهم لأوشك أن يظن الظان أنه إنما قتلهم لأغراض وأحقاد وإنما قصده الاستعانة بهم على الملك كما قال: "أكره أن تقول العرب لما ظفر بأصحابه