للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الحدود غير عقوبة الكفر وتبديل الدين قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم} .

فثبت بهذه الآية أن من تاب بعد أن قدر عليه لم تسقط عنه العقوبة وكذلك قال سبحانه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فأمر بقطع أيديهم جزاء على ما مضى ونكالا عن السرقة في المستقبل منهم ومن غيرهم وأخبر أن الله يتوب على من تاب ولم يدرأ القطع بذلك لأن القطع له حكمتان: الجزاء والنكال والتوبة تسقط الجزاء ولا تسقط النكال فإن الجاني متى علم أنه إذا تاب لم يعاقب لم يردع ذلك الفساق ولم يزجرهم عن ركوب العظائم فإن إظهار التوبة والإصلاح لمقصود حفظ النفس والمال سهل.

ولهذا لم نعلم خلافا يعتمد في أن السارق أو الزاني لو أظهر التوبة بعد ثبوت الحد عليه عند السلطان لم يسقط الحد عنه وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية وأخبر بحسن توبتهما وحسن مصيرهما وكذلك لو قيل: "إن سب النبي صلى الله عليه وسلم يسقط بالتوبة وتجديد الإسلام" لم يردع ذلك الألسن عن انتهاك عرضه ولم يزجر النفوس عن الاستحلال حرمته بل يؤذيه الإنسان بما يريد ويصيب من عرضه ما شاء من أنواع السب والأذى ثم يجدد إسلامه ويظهر إيمانه وقد ينال المرء من عرضه ويقع منه تنقص له واستهزاء ببعض أقواله أو أعماله وإن لم يكن منتقلا من دين إلى دين فلأنه لا يصعب على

<<  <   >  >>