فإن قيل: تلك المعاصي يدعو إليها الطمع مع صحة الاعتقاد فلو لم يشرع عنها زاجر لتسارعت النفوس إليها بخلاف سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الطبع لا يدعوا إليه إلا بخلل في الاعتقاد أكثر ما يوجب الردة فعلم أن مصدره أكثر ما يكون الكفر فيلزمه عقوبة الكافر وعقوبة الكافر مشروطة بعدم التوبة وإذا لم يكن إليه مجرده باعث طبيعي لم يشرع ما يزجر عنه وإن كان حراما كالاستخفاف في الكتاب والدين ونحو ذلك.
قلنا: بل قد يكون إليه باعث طبيعي غير الخلل في الاعتقاد من الكبر الموجب للاستخفاف ببعض أحواله وأفعاله والغضب الداعي إلى الوقيعة فيه إذا خالف الغرض بعض أحكامه والشهوة الحاملة على ذم ما يخالف الغرض من أموره وغير ذلك فهذه الأمور قد تدعو الإنسان إلى نوع من السب له وضرب من الأذى والانتقاص وإن لم يصدر إلا مع ضعف الإيمان به كما أن تلك المعاصي لا تصدر أيضا إلا مع ضعف الإيمان وإذا كان كذلك فقبول التوبة ممن هذه حاله يوجب اجتراء أمثاله على أمثال كلماته فلا يزال العرض منهوكا والحرمة محفورة بخلاف قبول التوبة ممن يريد انتقالا عن الدين إما إلى دين آخر أو إلى تعطيل فإنه إذا علم أنه يستتاب على ذلك فإن تاب وإلا قتل لم ينتقل بخلاف ما إذا صدر السب عن كافر به ثم آمن به فإن علمه بأنه إذا أظهر السب لا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف يردعه عن هذا السب إلا أن يكون مريدا للإسلام ومتى أراد الإسلام فالإسلام يجب ما كان قبله فليس في سقوط القتل بإسلام الكافر من الطريق إلى الوقيعة في عرضه ما في سقوطه بتجديد إسلام من يظهر الإسلام.
وأيضا فإن سب النبي صلى الله عليه وسلم حق لآدمي فلا يسقط بالتوبة كحد القذف وكسب غيره من البشر.