قد تضمن هذه الدلالة على وجوب قتل الساب من المسلمين وإن تاب وأسلم ويوجبه قول من فرق بينه وبين الذمي إذا أسلم وقد تضمن الدلالة على أن الذمي إذا عاد إلى الذمة لم يسقط عنه القتل بطريق الأولى فإن عود المسلم إلى الإسلام أحقن لدمه من عود الذمي إلى ذمته ولهذا عامة العلماء الذين حقنوا دم هذا وأمثاله بالعود إلى الإسلام لم يقولوا مثل ذلك في الذمي إذا عاد إلى الذمة.
ومن تأمل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله لبني قريظة وبعض أهل خيبر وبعض بني النضير وإجلائه لبني النضير وبني قينقاع بعد أن نقض هؤلاء الذمة وحرصوا على أن يجيبهم إلى عقد الذمة ثانيا فلم يفعل ثم سنة خلفائه وصحابته في مثل هذا المؤذي وأمثاله مع العلم بأنه كان أحرص شيء على العود إلى الذمة لم يسترب في أن القول بوجوب إعادة مثل هذا إلى الذمة قول مخالف للسنة ولإجماع خير القرون وقد تقدم التنبيه على ذلك في حكم ناقض العهد مطلقا ولولا ظهوره لأشبعنا القول فيه وإنما أحلنا على سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته من له بها علم فإنهم لا يستريبون أنه لم يكن الذي بين النبي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء اليهود هدنة مؤقتة وإنما كانت ذمة مؤبدة على أن الدار دار الإسلام وأنه يجري عليهم حكم الله ورسوله فيما يختلفون فيه إلا أنهم لم يضرب عليهم جزية ولم يلزموا بالصغار الذي ألزموه بعد نزول براءة لأن ذلك لم يكن شرع بعد.
وأما من قال:"إن الساب يقتل وإن تاب وأسلم وسواء كان كافرا أو مسلما" فقد تقدم دليله على أن المسلم يقتل بعد التوبة وأن الذمي يقتل وإن طلب العود إلى الذمة.