والجواب الثالث: أن تفضيل دين الكفار على دين المسلمين هو دون سب النبي صلى الله عليه وسلم بلا ريب فإن كون الشيء مفضولا أحسن حالا من كونه مسبوبا مشتوما فإن كان ذلك ناقضا للعهد فالسب بطريق الأولى وأما مرثيته للقتلى وحضهم على أخذ ثأرهم فأكثر ما فيه تهييج قريش على المحاربة وقريش كانوا قد أجمعوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم عقب بدر وأرصدوا العير التي كان فيها أبو سفيان للنفقة على حربه فلم يحتاجوا في ذلك إلى كلام ابن الأشرف نعم مرثيته وتفضيله ربما زادهم غيظا ومحاربة لكن سبه للنبي صلى الله عليه وسلم وهجاءه له ولدينه أيضا مما يهيجهم على المحاربة ويغريهم به فعلم أن الهجاء فيه من الفساد ما في غيره من الكلام وأبلغ فإذا كان غيره من الكلام نقضا فهو أن يكون نقضا أولى ولهذا قتل النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من النسوة اللواتي كن يشتمنه ويهجونه مع عفوه عما كانت تعين عليه وتحض على قتاله.
الجواب الرابع: أن ما ذكره حجة لنا من وجوه أخر وذلك أنه قد اشتهر عند أهل العلم من وجوه كثيرة أن قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَاب} نزلت في كعب بن الأشرف بما قاله لقريش وقد أخبر الله سبحانه أنه لعنه وأن من لعنه فلن تجد له نصيرا وذلك دليل على أنه لا عهد له لأنه لو كان له عهد لكان يجب نصره على المسلمين فعلم أن مثل هذا الكلام يوجب انتقاض عهده وعدم ناصره فكيف بما هو أغلظ منه من شتم وسب؟ وإنما لم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم بمجرد ذلك ناقضا للعهد لأنه لم يعلن بهذا الكلام ولم يجهر به وإنما أعلم الله به رسوله وحيا كما تقدم بالأحاديث ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ أحدا من المسلمين والمعاهدين إلا بذنب ظاهر فلما رجع إلى المدينة