للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأرض وأعضاء بني آدم والذراع المشوية (١)، فبطل بذلك قولهم واستدلالهم.

احتجت الأشعرية بأن قالوا: لما كان سمعه بلا انخراق أذن، وبصره بلا انفتاح حدقه، وعلمه بلا فكر وجب أن يكون كلامه بلا صوت ولا حرف (٢).

والجواب: أن هذا جمع بغير معنى جامع، وعلى مقتضى دليلكم هذا أن يقال لما كان سمعه بلا انخراق أذن، وبصره بلا انفتاح حدقه، وجب أن يكون كلامه بلا جارحة (٣)، وهكذا نقول (٤).

احتجت الأشعرية بقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} (٥)، وبقوله تعالى: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُم} (٦)، ويقول الرجل في نفسي كلام، فدل على أن ما في نفس الإنسان يسمى قولاً (٧).


(١) انظر: ما تقدم ص ٥٦٩.
(٢) ذكر هذه الشبه أبو نصر السجزي عن الأشعري نفسه. انظر: الرد على من أنكر الحرف والصوت ص ٩٤ - ٩٥.
وهذا الكلام فيه تمويه وقول بلا علم، لأننا اتفقنا أن الله له سمع وبصر، واتفقنا أن سمعه وبصره لا يشبه سمع المخلوق وبصره، وقول الأشاعرة هنا سمعه بلا انخراق أذن وبصره بلا انفتاح حدقه بلا دليل، فعليهم أن يأتوا بالدليل على هذا النقي فنقول به معهم، وإلا فنحن لا نوافقهم على النفي كم أننا لا نقول به حتى يأتينا الدليل بإثباته فنقف حيث وقفت النصوص.
(٣) قول المصنف: "وجب أن يكون كلامه بلا جارحة" من النفي الذي لا دليل عليهن فالأولى عدم نفي ذلك إلا أن يوضح المقصود بلفظ الجارحة، فإن دل على معنى مرفوض في الشرع رد، وغن دل على معنى صحيح قبل، وإن لم يدل على هذا أو هذا سكت عنه وتوقف فيه، لأنه لا يجوز القول على الله بغير علم. وقد تقدم التعليق على مثل قول المصنف هنا في أول الرسالة ص ٩٧.
(٤) قد أجاب السجزي - رحمه الله - عن هذه الشبه بنحو هذا الكلام. الرد على من أنكر الحرف والصوت ص ١٨٥.
(٥) المجادلة آية (٨).
(٦) يوسف آية (٧٧).
(٧) تقدمت الإشارة إلى هذا الاستدلال والتعليق عليه ص ٥٦٦، وانظر هذا الاستدلال في التمهيد للباقلاني ص ٢٨٤، والإرشاد للجويني ص ١٠٧، وقواعد العقائد للغزالي ص ١٨٣، وانظر الرد على من أنكر الحرف والصوت للسجزي ص ٩١ - ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>