وذلك كلّ شعر نقص من آخره من أتمِّ بنائه حرفٌ متحرّكٌ أو زنةُ متحرّك. ولا يحتسب في ذلك بما يقع للزحاف. من ذلك فعولن في الطويل، لا بدَّ فيها من حرف لين، لأنها ناقصةٌ ومن مفاعيلن، بينها وبينه حرفان، الساكن منهما قد يقع للزحاف. فإنما يحتسبُ بالمتحرّك.
ومنه فعلنْ في البسيط، لا يد فيه من حرف لين، لأنَّ أصله فاعلن، فألقيت النونُ، وأسكنت اللام، فقد ذهبَ ساكنٌ وحركة، وتانكَ زنة متحرّك. وقد جاء فيه فاعلن، سمعناه من قاتله:
وبلدة قفرةٍ، تمسي الرياحْ بها ... لواغباً، وهي ناءٍ عرضُها خاويَهْ
قفرٍ عقامٍ، ترى ثورَ النِّعاجِ بها ... يروحُ فرداً، ويلقى إلفَه طاويهْ
وأما فعلن فيكون في المديد، فيكون بغير حرف لين، لأنَّه كثرَ نقصه من فاعلاتن أن يدرك بحرف لين، وإن كانوا قد يلزمون حرفَ اللّينِ الشعرَ الضعيف القليلَ ليكون أتمَّ له وأحسنَ. فممّا قيلَ بغير حرف لين قوله:
دينَ هذا القلبُ من نعمٍ ... بسقامٍ ليس كالسُّقمِ
إنَّ نعماً أقصدتْ رجلاً ... آمناً بالخيفِ أنْ ترمي
وكذلك فعولنْ في البسيط يكونُ بغير حرف لين، لأنَّه قد جزئ وكثرَ نقصانه بأن ذهب منه جزءٌ لا يدركُ ذلك بحرف لينٍ.
وكذلك مجزوء الوافر يكونُ بغير حرف لين. قال الشاعر:
ألا من نعى الأخوي ... نِ أمُّهما هي الثَّكلَى
تسائلُ منْ رأى ابنيْها ... وتستشفَي فلا تُشفى
وفعولُن في الوافر لا بدَّ فيه من حرفِ اللّين وقد جاء بغير لين. أخبرني بهما من سمعهما من العرب بغير لين، وكذا وصفهما الخليل بغير لين.
وأمّا فعلاتن في الكامل الذي على ستّة فلا يكون إلاّ بحرف لين، لأنَّك أذهبت من متفاعلنْ التّنوينَ، وأسكنتَ اللام، فذهب منه متحرّكٌ. وقال امرؤ القيس هذا البناءَ بغير لين. قال:
ولقدْ رحلتُ العنسَ ثم زجرْتُها ... قدماً، وقلتُ: عليكِ خيرَ معدِّ
و:
وعليكِ سعدَ بنَ الضِّبابِ، فسمِّحي ... سيراً إلى سعد، عليكِ بسعدِ
قال بعضهم: إنّما ألقى عين متفاعلنْ. وهو مذهبٌ. وكذلك مفعولن فيه.
وأمّا فعلاتن ومفعولن في الذي على أربعة أجزاء منه ففي القياس أن يكون بغير حرف لين لأنه نقص مه ما لا يدرك بحرف لين. ولم نسمعه بغير حرف لين. وذلك أنه شعرٌ ضعيف قليل، قد نقصوه، فأرادوا أن يعدِّلوه حتى يكون النصفُ الآخرُ مثلَ الأوَّلِ. فإذا جاءَ فأجزه.
وأما مفعولن في الرّجز وفعولن فلا يكون إلاَّ بحرف لين، لأنّك أسقطت نون مستفعلن، وأسكنت اللام. فذهب منه زنةُ متحرك.
وأمّا فعولن في الهزج فمن جعله مجزوءاً لم يجعله بحرف لين. وينبغي أن يكون مجزوءاً، لأنّه لا يكادُ يجيء شعر من أشعار العرب فيه نحو هذه الأجزاء إلاَّ قد بني على ستة أجزاء. فإن لم تأخذ بهذا تركت أشياء من المقاييس. ومن قال إنّ فعولن ناقصةٌ من مفاعيلن، ليس بمجزوء لزمه حرفُ اللّين.
وأما فعلن في السريع فيكون بغير لين، لأنَّهم قد نقصوا من الجزء ما لا يدرك بحرف لين.
وكذلك مفعولن في المنسرح الذي على جزءين، لأنَّه قد كثر نقصانه.
وفعولن في الخفيف يكون بغير لين، لأنَّه كثرَ نقصه.
وفاعلاتن في المضارع يكون بغير لين، لأنَّه إن كان مجزوءاً فقد كثرَ نقصانه. وإن كان تاماً لم يحتج إلى ذلك فيه.
وكذلك فاعلاتن في المجتثّ يكون بغير لين. أخبرنا من يوثق به أنَّ قوله:
جنٌّ هببنَ بليلِ ... يندبن سيِّدَ هنَّهْ
معروفٌ في شعر العرب. وليس في ذا حرف لين.
وأما فاعلن في السريع فلمَّا نقصوه من فاعلان لم يصلوا فيه إلى حرف اللّين، لأنَّ في آخره حرفين متحرّكين، فلو أدخلوا حرف اللّين لم يكن بدٌّ من حركته. وإذا تحرّكَ ذهب منه المدُّ.
وأمّا مفاعلن في الطويل فإنَّه سقط منه ما كان يسقط للزحاف، وذلك لا يحتسب به. فإن قلت: هلاَّ قيّدتَ
ويأتيكَ بالأخبارَ منْ لم تزوِّدِ
حتى يكون فعولنْ وقيَّدتَ
لا تكسعِ الشَّولَ بأغبارها ... إنَّكَ لا تدريَ منِ الناتجُ