للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ما تنقمُ الحربُ العوانُ منِّي

بازلُ عامينِ حديثٌ سنِّي

لمثلِ هذا ولدَتني أمِّي

فما قبل الياء هو حرف الرّويّ. ولا يجوز أن يكون الياءُ روياً، وإن كان في الشعر مقيدُ، لأنَّ العرب لا تقيِّدُ شيئاً من الشعرِ تصلُ إلى إطلاقه في اللفظ إلاَّ وهو بين ضربِ أقصرَ منه، وضربٍ أطولَ منه، نحو فعول في المتقارب بين فعلون وبين فعلْ. فلا تكونُ لذلك الياء حرف الرّويّ لوصولهم إلى إطلاقها بأن تقول: منِّيا، وسنِّيا، وأمِّيا.

وأخبرني من أثقُ به عن ابن العجاج أنّه قال:

قبَّحتِ من سالفةٍ ومن صدغْ

كأنّها كشيةُ ضبٍّ في صقُعْ

جعل إحداهما عيناً، والأخرى غيناً. وأمَّا يونس فروى عن أبي عمرو أنَّه جعلهما غينين، وقال: لولا ذلك لو أروهما وروى عن العرب:

فليت سِماكياً يحارُ ربابُهُ ... يقادُ إلى أهلِ الغضَا بزمامِ

فيشربَ منه جحوشٌ، ويشيمهُ ... بعيني قطامِي أغرَّ يمانِ

فجاءَ بالميم والنونِ. وسمعت منه:

أأنْ ردَّ أجمالٌ، وفارقَ جيرةُ، ... وصاحَ غرابُ البينِ، أنت حزينُ

تنادوا بأعلى سحرةٍ، وتجاوبَتْ ... هوادرُ في ساحاتِهم وصهيلُ

فرددنا عليه هذا غير مرَّةِ، والبيتين الأوّلين على نفر من أصحابه ممّن ليس بدونه، كلّهم لا يستنكر هذا. والقصيدة الأولى على الميم، في يمان شآم، قافيتُها مكان يمان شآم. والثانية على النون، مكان صهيلُ حنينُ. وكثيرٌ منهم يسمّي هذا الإكفاء كما ذكرت لك. وإنّما الإكفاء المخالفةُ. قال الشاعر:

ودويَّة قفر ترى وجهَ ركبْها ... إذا ما علوْها مكفأ غيرَ ساجعِ

المكفأ ههنا: الذي ليس بموافق. وليس قولهم في قول الشاعر:

بالخير خيراتٍ وإنْ شرّاً فا

ولا أريدُ الشرَّ إلاَّ أنْ تا

إنه أراد الفاء والتاء بشيء. ألا ترى أنكَ لو قلتَ: رأيت فا عمراً، ورأيت زيداً تا عمراً، لم يستدلَّ به أنك تريد عمراً. وكيف يريدون هذا وهم لا يعرفون الحروف.

ولا يجوز أن تجعل ألف المدّ رويّاً، نحو الرّجلا. لو جاز هذا لجازت الياء والواو الزائدتان أن تكونا روياً، نحو الرّجلو والرّجلي. وهذا لا يقوله أحدٌ من العرب، ولم يجئ في شيء من الشعر ولكن ما قبل الألف هو حرفُ الرّويّ وخالف ما بين الحروف، كما قال الشاعر:

إذا نزلتُ فاجعلاني وسطا

إنِّيَ شيخٌ لا أطيقُ العنَّدا

وهذا كثيرٌ. وقد ذكرنا قبل هذا أبياتاً كثيرة في هذا الباب سمعناها من العرب. والعنَّدُ: جمع ناقة عنود، وهي الصعبةُ التي تذهبُ عن الطريق. والعنَّدُ: جمع عاندٍ، والمعنى واحد.

ومن قال: إنه أرادَ بقوله: وتلِّيني وا الواو لكنَّه رخم قيل له: وكيف يرخّم اسمٌ على ثلاثة أحرف؟ لم يجئ هذا في شيء، ولم يقله أحدٌ في قياس إذا كان الثاني ساكناً أو متحركاً. والبغداديون يرخّمون عمر.

وجميع ما ذكرنا من هذا المختلف الرّويّ إنما هو غلطٌ. وهو يشبه من الكلام: هذا جحر ضبّ خربِ.

وأمّا السّناد فهو كلُّ فساد قبلَ حرف الرّويّ مما هو في القافية: سمعت ذلك من غير واحد من أهل العلم. نحو قول الشاعر:

ألم ترَ أنَّ تغلبَ أهلُ عزٍّ ... جبالُ معاقلِ ما يرتقينْا

ثم قال:

شربنا من دماء بني عقيلِ ... بأطرافِ القنا حتى روينا

وقد زعموا أنّ هذا البيت ليس من هذه القصيدة. كسر ما قبل الياء من روينا، وفتح ما قبلها من يرتقينا. فصارت قينا مع وينا.

ومن السّناد قول رؤبة في قول الخليل:

وقاتمِ الأعماقِ خاوي المخترقْ

ألّفَ شتَّى، ليس بالراعي الحمقْ

فجاء بالكسر مع الفتح. وهذا عندنا جائز لكثرةِ ما جاء منه. وقال العجّاجُ:

يا دارَ سلمَى، يا اسلمَى ثم اسلمَي

ثم قال:

فخندف هامةُ هذا العالمِ

فجاء بألف التأسيس. ولم يجئ بها في شيء من البيوت غير هذا، وبيت آخر:

مباركِ، للأنبياء خاتمِ

وأمّا ما سمعت من العرب في السّناد فإنهم يجعلونه كلّ فساد في آخر الشعر، ولا يحدّون في ذلك شيئاً. وهو عيبٌ عندهم. ولا أعلم إلا أنني قد سمعت بعضهم يجعل الإقواء سناداً. وقال الشاعر:

فيها سنادٌ وإقواءٌ وتحريدُ

فجعل السّناد غير الإقواء، وجعله عيباً. ومن السناد أيضاً قوله:

تعرفُ في قعدتِهِ وحبوَتهْ

<<  <   >  >>