من كثرة أشغاله فأثبتوها في سفر المعصية مع القطع بأن الشرع لا يرد بإعانة العاصي على المعصية فهذا الذي ذكروه يزيدونه على القياس إذ القياس تقرير المقيس عليه قراره وإلحاق غيره به وهذا قلب لموضع النص في الرخص بالكلية.
٨٧٣- وأما المعدول عن القياس فقد ضرب الشافعي في الاستجمار فيه مثلا وهو بين من جهة أن النجاسة إنما يعفى عنها عند فرض تعذر الاحتراز وليس الأمر كذلك في غير نجاسة البلوى فإن استعمال الماء يسير لا عسر فيه.
وقال: زعمتم أن القهقهة تبطل الصلاة واعتقد تم ذلك معدولا عن القياس ثم زعمتم أنها تبطل صلاة ذات ركوع وسجود ولا تبطل صلاة الجنازة ولم ينقدح لكم فرق معنوي ولكنكم اعتقدتم قضية جرت لو صحت في صلاة من الصلوات الخمس ورأيتم أن تقتصروا على مورد النص ثم قلتم القهقهة تبطل صلاة النفل وإن لم تكن القضية في النفل فليت شعري ما الذي عن لكم في التخصيص من وجه والإلحاق من وجه.
٨٧٤- وقال في مساق هذا الكلام: اعتمدتم في الوضوء بنبيذ التمر الخبر وقد جرى في الوضوء واعتبرتم الغسل به ولم تعتبروا نبيذ الزبيب بنبيذ التمر مع اشتمال كلام الرسول عليه السلام لو صح الحديث على التنبيه لذلك فإنه قال عليه السلام: "ثمرة طيبة وماء طهور"، فهذه جمل جمعها الشافعي في مساق هذه المسألة عليهم وبالجملة ليس معهم من علم الأصول قليل ولا كثير وإن أقام واحد منهم لقب مسألة فسننقضها في تفصيل الفروع فإن صاحبهم ما بنى مسائله على أصول وإنما أرسلها على ما تأتي له فمن أراد من أصحابه ضبط مسائله بأصل تناقض عليه القول في تفصيل الفروع.
٨٧٥- ونحن نرد الكلام إلى الحجاج فنقول لهم لم منعتم إجراء القياس في هذه الأصول؟ فإن قالوا: الحدود تدرأ بالشبهات والأقيسة مظنونة فلا ينبغي أن نهجم على إثباتها بمظنون والظان معترف ببقاء إمكان وراء ظنه فيحصل بذلك الإمكان الدرء.
٨٧٦- وهذا الذي ذكروه يعارضه القصاص لأنهم لم يمتنعوا من إجراء القياس فيه وإن كان يندرئ بالشبهات ويبطل ما ذكروه بالعمل بخبر الواحد في الحدود فإنه ليس مقطوعا به ولا خلاف في قبوله والذي ذكروه إنما كان يستمر أن لو كانوا لا يثبتون الحد في مظنون وهذا باطل قطعا.