للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: زنه بمائة مِنْ أُمَّتِهِ. فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتهمْ، ثُمَّ قَالَ: زَنِّهِ بِأَلْفِ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتهمْ. فَقَالَ: دَعْهُ عَنْكَ، فَوَاَللَّهِ لَوْ وَزَنْتَهُ بِأُمَّتِهِ لوزنها".

رعيه -صلى الله عليه وسلم- الغنم وافتخاره بقرشيته: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَقَدْ رعَى الْغَنَمَ قِيلَ: وَأَنْتَ يَا رسول الله؟ قال: "وأنا"١.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ:

"أَنَا أَعْرَبُكُمْ، أَنَا قُرَشِيٌّ، واستُرضعت فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بكر".

افتقاد حليمة لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمَ النَّاسُ فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ -وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ أُمَّهُ السَّعْدِيَّةَ لَمَّا قَدِمَتْ بِهِ مَكَّةَ أضلَّها فِي النَّاسِ، وَهِيَ مُقبلة بِهِ نَحْوَ أَهْلِهِ، فَالْتَمَسَتْهُ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَأَتَتْ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَتْ لَهُ: إنِّي قَدْ قَدِمْتُ بِمُحَمَّدٍ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا كُنْتُ بِأَعْلَى مَكَّةَ أضلَّني، فَوَاَللَّهِ مَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ يَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرُدَّهُ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ وَجَدَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ، وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَتَيَا بِهِ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَا لَهُ: هَذَا ابْنُكَ وَجَدْنَاهُ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَأَخَذَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَجَعَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ يُعَوِّذه وَيَدْعُو لَهُ، ثُمَّ أرسل به إلى أمه آمنة.

سبب آخر لرجوع حَلِيمَةَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مكة: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بعضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ مِمَّا هَاجَ أُمَّهُ السَّعْدِيَّةَ عَلَى رَدِّهِ إلَى أُمِّهِ، مَعَ مَا ذَكَرَتْ لِأُمِّهِ مِمَّا أَخْبَرَتْهَا عَنْهُ، أَنَّ نَفَرًا مِنْ الْحَبَشَةِ نَصَارَى رَأَوْهُ مَعَهَا حِينَ رَجَعَتْ بِهِ بَعْدَ فِطَامِهِ، فَنَظَرُوا إلَيْهِ، وَسَأَلُوهَا عَنْهُ وَقَلَّبُوهُ، ثُمَّ قَالُوا لَهَا: لَنَأْخُذَنَّ هَذَا الْغُلَامَ، فَلَنَذْهَبَنَّ بِهِ إلَى مَلِكنا وَبَلَدِنَا؛ فَإِنَّ هَذَا غُلَامٌ كَائِنٌ لَهُ شَأْنٌ نَحْنُ نَعْرِفُ أَمْرَهُ، فَزَعَمَ الَّذِي حَدَّثَنِي أنها لم تكد تنفلت به منهم٢.


١ وإنما أراد ابن إسحاق بهذا الحديث رعايته الغنم في بني سعد مع أخيه من الرضاعة، وقد ثبت في الصحيح أنه رعاها بمكة أيضًا على قراريط لأهل مكة، ذكره البخاري.
٢ وكان رد حليمة إياه إلى أمه وهو ابن خمس سنين وشهرًا، فيما ذكر أبو عمر بن عبد البر، ثم لم تره بعد ذلك إلا مرتين:
إحداهما بعد تزويجه خديجة -رضي الله عنها- جاءته تشكو إليه السنة، وأن قومها قد أسنتوا -أجدبوا- فكلم لها خديجة، فأعطتها عشرين رأسًا من غنم وبكرات، والمرة الثانية: يوم حُنَين وسيأتي ذكرها -إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>