للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَنَانَيْكَ إن الجنَّ كانت رجاءَهم ... وأنتَ إلهي رَبَّنَا ورجَائيَا١

رضيتُ بِكَ اللهمَّ رَبًّا فَلَنْ ... أرَى أدينُ إلها غيرك اللهُ ثانيَا٢

وَأَنْتَ الَّذِي مِنْ فَضْل مَن ورحمةٍ ... بعَثتَ إلَى مُوسَى رَسُولًا مناديَا

فَقُلْتُ لَهُ يَا اذْهب وَهَارُونَ فادْعُوَا ... إلَى اللَّهِ فرعونَ الذيِ كَانَ طَاغِيَا٣

وَقُولَا لَهُ آأنْتَ سَوَّيتَ هَذِهِ ... بلا وَتدٍ، حتى اطمأنت كما هيا٤


١ حنانيك بلفظ التثنية، قال النحويون: يربد حنانًا بعد حنان، كأنهم ذهبوا إلى التضعيف والتكرار، لا إلى القصر على اثنين خاصة دون مزيد. قال المؤلف رحمه الله: ويجوز أن يريد حنانًا في الدنيا، وحنانًا في الآخرة، وإذا قيل هذا لمخلوق نحو قول طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيْك بعض الشر أهون من بعض
فإنما يريد: حنان دَفْعٍ، وحنان نَفْعٍ، لأن كل من أمَّل مَلكا، فإنما يؤمله ليدفع عنه ضيرًا، أو ليجلب إليه خيرًا.
٢ أدين إلهًا، أي: أدين لإله، وحذف اللام وعدى الفعل؛ لأنه في معنى: أعبد إِلَهًا. وقوله: غيرك الله برفع الهاء، أراد: يا ألله، وهذا لا يجوز فيما فيه الألف واللام، إلا أن حكم الألف واللام في هذا اللفظ المعظم يخالف حكمها في سائر الأسماء، ألا ترى أنك تقول: يا أيها الرجل، ولا ينادي اسم الله بيأيها، وتقطع همزته في النداء، أي تجعلها همزة قطع فتقول: يا ألله، ولا يكون ذلك في اسم غيره، إلى أحكام كثيرة يخالف فيها هذا الاسم لغيره من الأسماء المعرفة.
٣ ألا يا اذهب على حذف المنادى. كأنه قال: ألا يا هذا اذهب، كما قرئ: {أَلّا يَا اسْجُدُوا} [النمل: ٢٥] يريد: يا قوم اسجدوا، وكما قال غيلان:
ألا يا اسلمي يا دارَ مَي على البِلَى
وفيه: "اذهب وهارون"، عطفًا على الضمير في اذهب، وهو قبيح إذا لم يؤكد، ولو نصبه على المفعول معه لكان جيدًا.
٤ اطمأنت كما هيا، وزنه افلعلت؛ لأن الميم أصلها أن تكون بعد الألف؛ لأنه من تطامن أي: تطأطأ، وإنما قدموها لتباعد الهمزة التي هي عين الفعل من همزة الوصل، فتكون أخف عليهم في اللفظ، كما فعلوا في أشياء حين قلبوها في قول الخليل وسيبويه فرارًا من تقارب الهمزتين. كما هيا؛ ما: زائدة لتكف الكاف عن العمل، وتهيئها للدخول على الجمل، وهي: اسم مبتدأ، والخبر محذوف، التقدير: كما هي عليه، والكاف في موضع نصب على الحال من المصدر الذي دل عليه، اطمأن، كما تقول: سرت مثل سير زيد؛ فمثل حال من سَيْرك الذي سرته.

<<  <  ج: ص:  >  >>