للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خديجة رضي الله عنها تخبر ورقة بن نوفل: ثُمَّ قَامَتْ فَجَمَعَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، ثُمَّ انْطَلَقَتْ إلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزى بْنِ قُصي، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا، وَكَانَ وَرَقَةُ قَدْ تَنَصَّرَ، وَقَرَأَ الْكُتُبَ، وَسَمِعَ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا أَخْبَرَهَا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ رَأَى وَسَمِعَ. فَقَالَ ورقةُ بْنُ نَوْفَلٍ: قدُّوس قُدُّوسٌ، وَاَلَّذِي نَفْسُ ورقةَ بِيَدِهِ لَئِنْ كنتِ صَدَّقْتِينِي يَا خديجةُ لَقَدْ جَاءَهُ الناموسُ١ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى٢، وَإِنَّهُ لنبيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ. فَقُولِي لَهُ: فَلْيَثْبُتْ.

فَرَجَعَتْ خَدِيجَةُ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم. فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ ورقةَ بْنِ نَوْفَل. فَلَمَّا قَضَى رسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جوارَه وَانْصَرَفَ، صَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ: بَدَأَ بِالْكَعْبَةِ، فَطَافَ بِهَا. فَلَقِيَهُ ورقةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وَهُوَ يطوف بالكعبة. فقال: يابن أَخِي أخبرْني بِمَا رأيتَ وسمعتَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ ورقةُ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّكَ لنبيُّ هَذِهِ الأمة، وقد جَاءَكَ الناموسُ الأكبرُ الَّذِي جَاءَ مُوسَى. ولتُكَذِّبنهْ، ولتُؤذَيَنَّهْ، ولتُخْرَجَنهْ، ولَتُقَاتلنَّهْ٣. وَلَئِنْ أَنَا أدركتُ٤ ذَلِكَ الْيَوْمَ لأنصرنَّ اللهَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ. ثُمَّ أَدْنَى رأسَه مِنْهُ، فَقَبَّلَ يافوخَه، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى مَنْزِلِهِ.


١ الناموس: صاحب سر الملك، قال بعضهم: هو صاحب سر الخير، والجاسوس: هو صاحب سر الشر.
٢ ذكر ورقة موسى ولم يذكر عيسى وهو أقرب؛ لأن ورقة كان قد تنصر، والنصارى لا يقولون في عيسى إنه نبي يأتيه جبريل، وإنما يقولون فيه: إن أقنومًا من الأقانيم الثلاثة اللاهوتية حل بناسوت المسيح، واتحد به على اختلاف بينهم في ذلك الحلول، وهو أقنوم الكلمة، والكلمة عندهم: عبارة عن العلم، فلذلك كان المسيح عندهم، يعلم الغيب، ويخبر بما في غد.
٣ الهاءات الأربعة لا ينطق بها إلا ساكنة فإنها هاءات سكت وليست بضمائر.
٤ في الحديث: "إن يدركني يومك...." وهو القياس؛ لأن ورقة سابق بالوجود، والسابق هو الذي يدركه من يأتي بعده.

<<  <  ج: ص:  >  >>