للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكُنَّا قَدِيمًا لَا نُقِرُّ ظُلَامَةً ... إذَا مَا ثَنَوْا صعْرَ الخدودِ نقيمُها١

وَنَحْمِي حِماها كُلَّ يومٍ كريهةٍ ... ونضربُ عن أحجارِها مَنْ يرومُها

بِنَا انْتَعَشَ العُود الذوَاء وَإِنَّمَا ... بأكنافِنا تندَى وتَنْمى أرُومُها٢

الوليد بن المغيرة: كيده للرسول، وموقفه من القرآن

ثُمَّ إنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ اجْتَمَعَ إلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ ذَا سِن فِيهِمْ، وَقَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمَ فَقَالَ لَهُمْ: يَا معشرَ قرَيش، إنَّهُ قَدْ حَضَرَ هَذَا الْمَوْسِمُ، وَإِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ ستقدَمُ عَلَيْكُمْ فِيهِ، وَقَدْ سَمِعُوا بأمرِ صاحبِكم هذْا، فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا وَاحِدًا، وَلَا تَخْتَلِفُوا فيكذِّب بعضُكم بَعْضًا، وَيَرُدَّ قولُكم بعضَه بَعْضًا؛ قَالُوا: فَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، فَقُلْ وَأَقِمْ لَنَا رَأْيًا نَقُولُ بِهِ؛ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ فَقُولُوا أَسْمَعْ؛ قَالُوا: نَقُولُ كَاهِنٌ؛ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنِ، لَقَدْ رَأَيْنَا الْكُهَّانَ فَمَا هُوَ بَزَمْزَمة٣ الْكَاهِنِ وَلَا سَجْعه؛ قَالُوا: فَنَقُولُ: مَجْنُونٌ؛ قَالَ: مَا هُوَ بِمَجْنُونِ، لَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ وَعَرَفْنَاهُ، فَمَا هُوَ بخَنْقه، وَلَا تَخَالُجِهِ، وَلَا وَسْوَسَتِهِ؛ قَالُوا: فَنَقُولُ: شَاعِرٌ؛ قَالَ: مَا هُوَ بِشَاعِرِ، لَقَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ كُلَّهُ رجَزَه، وهَزَجه وَقَرِيضَهُ وَمَقْبُوضَهُ ومبسوطه، فما هو بالشعرة قَالُوا: فَنَقُولُ: سَاحِرٌ؛ قَالَ: مَا هُوَ بِسَاحِرِ، لَقَدْ رَأَيْنَا السُّحَّار وسحرَهم، فَمَا هُوَ بنَفْثِهم وَلَا عَقْدِهم٤ قَالُوا؛ فَمَا نَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ؛ قَالَ: وَاَللَّهِ إنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلَاوَةً وَإِنَّ أصلَه لعَذْقٍ، وَإِنَّ فَرْعَهُ لجَناة -قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ لغَدْق٥ -وَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ من هذا شيئًا


١ ثنوا: عطفوا. وصعَّر خده: أماله إلي جهة مثل فعل المتكبر.
٢ الذواء: الذي جفت رطوبته. الأروم: مفرده أرمة وهي الأصل.
٣ زمزمة الكاهن: كلامه الخفي.
٤ العقد والنفث: هو أن يعقد الساحر خيطًا وينفث فيه بفمه.
٥ قول الوليد: إن أصله لعذق، وإن فرعه لجناة. استعار من النخلة التي ثبت أصلها، وقوي وطاب فرعها إذا جني، والنخلة هي: العَذق بفتح العين، ورواية ابن إسحاق أفصح من رواية ابن هشام؛ لأنها استعارة تامة يشبه آخر الكلام أوله، ورواية ابن هشام: إن أصله لغدق، وهو الماء الكثير، ومنه يقال: غيدق الرجل إذا كثر بصاقه. وأحد أعمام النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسمى: الغيداق لكثرة عطائه، الغيدق أيضًا ولد الضب، وهو أكبر من الحسل، قاله قطرب في كتاب الأفعال والأسماء له.

<<  <  ج: ص:  >  >>