للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رأي عتبة: فَقَامَ عُتْبَةُ إلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: نَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بغيرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ. فَلَمَّا جَلَسَ إلَيْهِمْ قَالُوا: مَا وراءَك يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ: وَرَائِي أَنِّي قَدْ سمعتُ قَوْلًا وَاَللَّهِ مَا سَمِعْتُ مثلَه قطُّ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ، وَلَا بِالسِّحْرِ، وَلَا بِالْكِهَانَةِ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَطِيعُونِي وَاجْعَلُوهَا بِي، وخلُّوا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ فاعتزِلوه، فَوَاَللَّهِ لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سمعتُ مِنْهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، فَإِنْ تصبْه الْعَرَبُ فَقَدْ كُفيتموه بغيرِكم، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَى الْعَرَبِ فملُكه ملكُكم، وعزُّه عِزُّكُمْ، وَكُنْتُمْ أسْعَدَ النَّاسِ بِهِ؛ قَالُوا: سَحَرَكَ وَاَللَّهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِلِسَانِهِ؛ قَالَ: هَذَا رَأْيِي فِيهِ، فاصنعوا ما بدا لكم.

قريش تفتن المسلمين: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ الِإسلام جَعَلَ يَفْشُو بِمَكَّةَ فِي قَبَائِلِ قُرَيْشٍ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ وَقُرَيْشٌ تَحْبِسُ مَنْ قَدَرَتْ عَلَى حَبْسِهِ، وَتَفْتِنُ مَنْ اسْتَطَاعَتْ فِتْنَتَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ إنَّ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ، كَمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:

زعماء قريش تفاوض الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْتَمَعَ عتبةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وشَيْبة بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو سُفيان بن حرب، والنَّضْر بن الحارث، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَأَبُو البَخْتَري بْنُ هِشَامٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ المطَّلب بْنِ أَسَدٍ، وزَمَعة بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ، ونُبَيْه ومُنبَّه ابْنَا الْحَجَّاجِ السَّهْمِيَّانِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، أَوْ مَنْ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ. قَالَ: اجْتَمِعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: ابْعَثُوا إلَى مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّى تُعذروا فِيهِ، فَبَعَثُوا إلَيْهِ: إنَّ أشرافَ قومِك قَدْ اجْتَمَعُوا لَكَ لِيُكَلِّمُوكَ، فأتهمْ. فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيعًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنْ قَدْ بَدَا لَهُمْ فِيمَا كَلَّمَهُمْ فِيهِ بَداء، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا يُحِبُّ رشدَهم، وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُهم، حَتَّى جَلَسَ إلَيْهِمْ؛ فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، إنَّا قَدْ بَعَثْنَا إلَيْكَ لِنُكَلِّمَكَ، وَإِنَّا وَاَللَّهِ مَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مِثْلَ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ، وعِبت الدِّينَ، وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ، وَسَفَّهْتَ الأحلامَ، وَفَرَّقْتَ الجماعةَ، فَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قبيح إلا جِئْتَهُ فِيمَا بينَنا وَبَيْنَكَ –أَوْ كَمَا قَالُوا لَهُ– فَإِنْ كُنْتَ إنَّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَطْلُبُ بِهِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ إنَّمَا تَطْلُبُ بِهِ الشَّرَفَ فِينَا، فَنَحْنُ نُسَوِّدُكَ عَلَيْنَا، وإن كنت تريد مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَان هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ رَئِيّا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ –وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنْ الْجِنِّ رَئِيا– فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ، بَذَلْنَا لَكَ أموالَنا فِي طَلَبِ الطِّبِّ لَكَ حَتَّى نُبْرِئَكَ مِنْهُ، أَوْ نُعْذر فِيكَ؛ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا بِي مَا تَقُولُونَ، مَا جئتُ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>