بِالْقُرْآنِ وَهُوَ يُصَلِّي، يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ، وَيَأْبَوْنَ أَنْ يَسْتَمِعُوا لَهُ، فَكَانَ الرجلُ مِنْهُمْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعضَ مَا يتلُو مِنْ الْقُرْآنِ وَهُوَ يُصَلِّي، اسْتَرَقَ السمعَ دونَهم فَرَقًا مِنْهُمْ، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنَّهُ يَسْتَمِعُ مِنْهُ ذَهَبَ خشيةَ أَذَاهُمْ فَلَمْ يستمعْ، وَإِنْ خَفَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صوتَه فَظَنَّ الَّذِي يَسْتَمِعُ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَمِعُونَ شَيْئًا مِنْ قِرَاءَتِهِ وَسَمِعَ هُوَ شَيْئًا دُونَهُمْ أصاخ له يستمعُ منه.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الحُصَيْن، مولى عُمر بْنِ عُثْمَانَ، أَنَّ عِكْرِمة مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- حَدَّثَهُمْ: إنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: ١١٠] مِنْ أَجْلِ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَقُولُ: لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ فَيَتَفَرَّقُوا عَنْكَ، وَلَا تخافتْ بِهَا فَلَا يَسْمَعْهَا مَنْ يُحِبُّ أَنْ يسمعَها مِمَّنْ يَسْتَرِقُ ذَلِكَ دونَهم لَعَلَّهُ يَرْعَوِي إلَى بَعْضِ مَا يَسْمَعُ فَيَنْتَفِعَ بِهِ.
أَوَّلُ مَنْ جَهَرَ بِالْقُرْآنِ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ أَوَّلُ مَنْ جَهَرَ بِالْقُرْآنِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: اجْتَمَعَ يَوْمًا أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا: وَاَللَّهِ مَا سمعتْ قُرَيْشٌ هَذَا الْقُرْآنَ يُجْهَرُ لَهَا بِهِ قطُّ، فمنَ رَجُلٌ يُسْمِعهموه؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَا، قَالُوا: إنَّا نَخْشَاهُمْ عَلَيْكَ، إنَّمَا نُرِيدُ رَجُلًا لَهُ عَشِيرَةٌ يَمْنَعُونَهُ مِنْ الْقَوْمِ إنْ أَرَادُوهُ؟ قَالَ دَعُونِي فَإِنَّ اللَّهَ سيمنَعُني. قَالَ: فَغَدَا ابْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَتَى الْمَقَامَ فِي الضُّحَى، وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا، حَتَّى قَامَ عندَ الْمَقَامِ ثُمَّ قَرَأَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رَافِعًا بِهَا صوته: {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: ١، ٢] قَالَ: ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا يَقْرَؤُهَا. قَالَ: فَتَأَمَّلُوهُ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَاذَا قَالَ ابنُ أمِّ عَبْد؟ قَالَ: ثُمَّ قَالُوا: إنَّهُ ليتلُو بعضَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ، فَقَامُوا إلَيْهِ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ فِي وجْهِه، وَجَعَلَ يَقْرَأُ حَتَّى بَلَغَ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنَّ يبلغَ. ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى أَصْحَابِهِ وَقَدْ أثَّروا فِي وَجْهِهِ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا الَّذِي خَشينا عَلَيْكَ؛ فَقَالَ: مَا كَانَ أعداءُ اللَّهِ أهونَ عليَّ مِنْهُمْ الْآنَ، وَلَئِنْ شِئْتُمْ لَأُغَادِيَنَّهُمْ بِمِثْلِهَا غَدًا؛ قَالُوا لَا، حَسْبُك، قَدْ أسمعتَهم مَا يَكْرَهُونَ.
قِصَّةُ اسْتِمَاعِ قُرَيْشٍ إلَى قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قال ابن إسحاق: وحدثني محمدُ بنُ مسلمِ بْنِ شهابٍ الزهريُّ أَنَّهُ حُدِّث: أَنَّ أَبَا سُفْيان بْنَ حَرْبٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute