للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وَسَمِعَ مِنْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أُبَيًّا، فَأَتَى عُقْبَةَ فقال: أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّكَ جالستَ مُحَمَّدًا وَسَمِعْتَ مِنْهُ! قال: وَجْهِي مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ أَنْ أكلِّمَك -وَاسْتَغْلَظَ مِنْ الْيَمِينِ- إنْ أَنْتَ جلستَ إلَيْهِ أَوْ سَمِعْتَ مِنْهُ، أَوْ لَمْ تَأْتِهِ فتَتْفل فِي وَجْهِهِ. فَفَعَلَ ذَلِكَ عَدُوُّ اللَّهِ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعيط لَعَنَهُ اللَّهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} [الفرقان: ٢٧] إلى قوله تعالى: {لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: ٢٩] .

وَمَشَى أبَيُّ بْنُ خَلَفٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَظْمٍ بالٍ قَدْ ارْفَتَّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ هَذَا بَعْدَ مَا أرَمَّ١، ثُمَّ فتَّه بيده، ثُمَّ نَفَخَهُ فِي الرِّيحِ نحوَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَعَمْ أَنَا أَقُولُ ذلك، يبعثه الله وإياك بعدما تَكُونَانِ هَكَذَا، ثُمَّ يُدْخِلُكَ اللهُ النارَ". فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} .

سورة "الكافرون" وسبب نزولها: وَاعْتَرَضَ رسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ -فِيمَا بَلَغَنِي- الأسودُ بنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أسَد بْنِ عَبْدِ العُزى، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، وَكَانُوا ذَوي أَسْنَانٍ فِي قومِهم، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، هلمَّ فَلْنَعْبُدْ مَا تعبدُ، وَتَعْبُدُ مَا نَعْبُدُ، فَنَشْتَرِكُ نَحْنُ وَأَنْتَ فِي الْأَمْرِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي تَعْبُدُ خَيْرًا مِمَّا نَعْبُدُ، كُنَّا قَدْ أَخَذْنَا بحظِّنا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَا نَعْبُدُ خَيْرًا مِمَّا تَعْبُدُ، كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ بحظِّك مِنْهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فيهما: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} أَيْ إن كنتم لا تعبدون اللَّهَ، إلَّا أَنْ أَعْبُدَ مَا تَعْبُدُونَ، فَلَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ مِنْكُمْ لَكُمْ دِينُكُمْ جَمِيعًا، ولي ديني.

أبو جهل وما نزل فِيهِ: وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شجرةَ الزَّقُّومِ تَخْوِيفًا بِهَا لَهُمْ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ تَدْرُونَ مَا شَجَرَةُ الزَّقُّومِ الَّتِي يُخَوِّفُكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا: لَا؛ قَالَ:

عَجْوة يَثْرِبَ بالزُّبد، وَاَللَّهِ لَئِنْ اسْتَمْكَنَّا مِنْهَا لَنَتَزَقَّمَنَّها٢ تَزَقُّمًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى فيه: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ، طَعَامُ الْأَثِيمِ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} ، أي: ليس كما يقول.


١ أرم: بلي.
٢ تزقم: ابتلع.

<<  <  ج: ص:  >  >>